للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا رَوَى أبو هُرَيْرةَ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّىءٌ". رواهُ التِّرْمِذِىُّ (١). وَرُوِىَ مَوْقُوفًا، على أبِى هُرَيْرةَ، وهو أصحُّ من المَرْفُوعَ. فإنْ أذَّنَ مُحْدِثًا جازَ، لأنَّه لَا يَزِيدُ على قِرَاءَةِ القُرْآنِ، والطهارة غيرُ مُشْتَرَطةٍ (٢) له. وإنْ أذَّنَ جُنُبًا، فعلى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُما، لا يُعْتَدُّ به. وهو قولُ إسحاقَ. والأخْرَى، يُعْتَدُّ به. قال أبو الحسنِ الآمِدِيُّ: هو المنصُوصُ عن أحمدَ، وقولُ أكثرِ أَهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّه أحدُ الحدثَيْنِ، فلم يَمْنَعْ صِحَّتَه كالآخَرِ. ووَجْهُ الأُولَى مَا رُوِىَ عن وَائِل بنِ حُجْرٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "حَقٌّ وَسُنَّةٌ أنْ لَا يُؤَذِّنَ أحَدٌ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ" (٣)، ولأنَّه ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ للصلاةِ، فأشْبَهَ القرآنَ والخُطْبَةَ.

فصل: ولا يَصِحُّ الأذانُ إلَّا من مُسْلِمٍ عاقلٍ ذَكَرٍ، فأما الكافرُ والمجنونُ، فلا يصِحُّ منهما؛ لأنَّهما لَيْسَا من أهْلِ العبادَاتِ. ولا يُعْتَدُّ بأذانِ المرأةِ؛ لأنَّها ليستْ ممَّنْ يُشْرَعُ له الأذانُ، فأَشْبَهَتِ المَجْنُونَ، ولا الخُنْثَى؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ كَوْنُه رَجُلًا. وهذا كُلُّه مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ. ولا نَعْلَمُ فيه خلافًا. وهل يُشْتَرَطُ العَدَالةُ والبُلُوغُ للاعْتِدَادِ به؟ على رِوَايَتَيْنِ في الصبىِّ، ووَجْهَيْنِ في الفاسِقِ: إحداهُمَا، يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، ولَا يُعْتَدُّ بأذانِ صبىٍّ ولا فَاسِقٍ؛ لأنَّه مَشْرُوعٌ للإِعْلَام، ولا يَحْصُلُ الإِعْلَامُ بقولِهِما، لأنهما ممَّنْ لا يُقْبَلُ خَبَرُه ولا رِوَايَتُه. ولأنَّه قد رُوِىَ: "لِيُؤَذِّنَ لَكُمْ خِيَارُكُمْ" (٤). والثَّانِيةُ، يُعْتَدُّ بأذانِه. وهو قولُ عطاءٍ، والشعْبِىِّ، وابْنِ أبِى ليلى، والشافِعِىِّ. ورَوَى ابْنُ المُنْذِرِ، بإسنادِهِ عن عبدِ اللهِ بنِ أبِى بكرِ بن (٥) أَنَسٍ قال، كان عُمُومَتِى يأْمُرُونَنِى أنْ أُؤَذِّنَ لهم وأنا غلامٌ، ولم أحْتَلِمْ، وأنسُ بنُ مالكٍ شاهِدٌ لم يُنْكِرْ ذلك. وهذا ممَّا يَظْهَرُ ولا يَخْفَى، ولم


(١) في: باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ٢.
(٢) في م: "مشروطة".
(٣) لم نجد هذا الحديث فيما بين أيدينا من كتب السنة.
(٤) عن ابن عباس، رضى اللَّه عنه، ذكره السيوطي، في الجامع الكبير ١/ ٦٧٤، وقال أخرجه أبو الشيخ في الأذان، والطبراني في الكبير، والبيهقي. وهو في: باب لا يؤذن إلا عدل ثقة. . إلخ، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى ١/ ٤٢٦.
(٥) في م: "عن" تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>