للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نَعْلَمُ بينَ أهْلِ العِلْمِ خِلَافًا، في أنَّ مَنْ لم يَمْسَحْ حتى سَافَرَ، أنَّه يُتِمُّ مَسْحَ المُسَافِرِ؛ وذلك لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَمْسَحُ المُسَافِرُ ثَلَاثةَ أيَّامٍ ولَيَالِيهِنَّ". وهو حَالَ ابْتِدَائِهِ بالمَسْحِ كان مُسَافِرًا. وقَوْلُه: "مُنْذُ كانَ الحَدَثُ". يَعْنِى أنَّ (٢) ابْتَداءَ المُدَّةِ مِن حِينِ أحْدَثَ بعدَ لُبْسِ الخُفِّ. هذا ظَاهِرُ مذهبِ أحمدَ، وهو مذهبُ الثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. ورُوِىَ عن أحمدَ رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّ ابْتِداءَها مِن حِينِ مَسَحَ بعدَ أنْ أحْدَثَ، ويُرْوَى ذلك عن عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، فرَوَى الخَلَّالُ عنه، أَنَّه قال: امْسَحْ إلَى مِثْلِ سَاعَتِكَ الَّتِى مَسَحْتَ. وفِي لَفْظٍ، قال: يَمْسَحُ المُسَافِرُ إلى السَّاعَةِ التي تَوَضَّأَ فيها. واحْتَجَّ أحمدُ بِظَاهِرِ الحَدِيثِ، قَوْلِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَمْسَحُ المُسَافِرُ علَى خُفَّيْهِ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ". ولأنَّ ما قبلَ المَسْحِ مُدَّة لم تُبَحِ الصَّلَاةُ بِمَسْحِ الخُفِّ فيها. فلم تُحْسَبْ مِنَ المُدَّةِ، كما قبلَ الحَدَثِ. وقال الشَّعْبِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وإسحاق: يَمْسَحُ المُقِيمُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، لا يَزِيدُ عليها. ولَنا، ما نَقَلَهُ القَاسِمُ بنُ زَكَرِيَّا المُطَرِّزُ (٣)، في حَدِيثِ صَفْوَانَ: "مِنَ الحَدَثِ إلَى الحَدَثِ". ولأنَّ ما بعدَ الحَدَثِ زَمَنٌ (٤) يُسْتَبَاحُ فِيهِ المَسْحُ، فكان مِنْ وَقْتِه، كبعدَ المَسْحِ، والخَبَرُ أرَادَ أَنَّه يَسْتَبِيحُ المَسْحَ دُونَ فِعْلِه. واللهُ أعلمُ. وأمَّا تَقْدِيرُهُ بِعَدَدِ الصَّلَواتِ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما قَدَّرَهُ بالوَقْتِ دون الفِعْلِ، فعلى هذا يُمْكِنُ المُقِيمُ أنْ يُصَلِّىَ بالمَسْحِ سِتَّ صَلَواتٍ، وهو أنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ، ثم يَمْسَحُ، ويُصَلِّيها، وفِي اليَوْمِ الثَّانِى يُعَجِّلُها، فيَصُلِّيها في أوَّلِ وَقْتِها قبلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ المَسْحِ. وإنْ كان له عُذْرٌ يُبِيحُ الجَمْعَ مِنْ سَفَرٍ، أو غيرِه، أمْكَنَهُ أنْ يُصَلِّى سَبْعَ صَلَواتٍ.

٨٢ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ أَحْدَثَ مُقِيمًا، ثُمَّ مَسَحَ مُقِيمًا، ثُمَّ سَافَرَ، أَتَمَّ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ، ثُمَّ خَلَعَ)


(٢) سقط من: م.
(٣) أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي المطرز المقرىء المحدث الثقة، صنف المسند والأبواب، وتصدر للإقراء، وتوفى سنة خمس وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء ١٤/ ١٤٩، ١٥٠.
(٤) في م: "زمان".

<<  <  ج: ص:  >  >>