للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو كالهِبَةِ والوَقْفِ، على ما سَنَذْكُرُه، إن شاء اللهُ تعالى.

فصل: وإن تَصَرَّفَ المُشْتَرِى في الشَّقْصِ بما لا تَجِبُ به الشُّفْعَةُ، كالوَقْفِ والهِبَةِ والرَّهْنِ، وجَعْلِه مَسْجِدًا، فقال أبو بكرٍ: للشَّفِيعِ فَسْخُ ذلك التَّصَرُّفِ، ويَأْخُذُه بالثمَنِ الذي وَقَعَ البَيْعُ به. وهو قولُ مالِكٍ، والشّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّ (٧) الشَّفِيعَ مَلَكَ فَسْخَ البَيْعِ (٨) الثاني والثالثِ، مع إمكانِ الأَخْذِ بهما، فلَأنْ (٩) يَمْلِكَ فَسْخَ عَقْدٍ لا يُمْكِنُه الأَخْذُ به أَوْلَى، ولأنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَسْبَقُ، وجَنَبَتُه أقْوَى، فلم يَمْلِك المُشْتَرِى أن يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يُبْطِلُ حَقَّه. ولا يَمْتَنِعُ أن يَبْطلَ الوَقْفُ لأَجلِ حَقِّ الغيرِ، كما لو وَقَفَ المَرِيضُ أَمْلاكَه وعليه دَيْنٌ، فإنَّه إذا ماتَ، رُدَّ الوَقْفُ إلى الغُرَماءِ والوَرَثَةِ فيما زادَ على ثُلُثِه، بل لهم إِبْطالُ العِتْقِ، فالوَقْفُ أوْلَى. وقال القاضي: المَنْصُوصُ عن أحمدَ، في رِوَايةِ عَلِىِّ بن سَعِيدٍ، وبَكْرِ بن محمدٍ، إسْقاطُ الشُّفْعةِ فيما إذا تَصَرَّفَ بالوَقْفِ والهِبَةِ. وحُكِىَ ذلك عن الْمَاسَرْجِسِىِّ (١٠) في الوَقْفِ؛ لأنَّ الشُّفْعةَ إنَّما تَثْبُتُ في المَمْلُوكِ، وقد خَرَجَ هذا عن كونِه مَمْلُوكًا. وقال ابنُ أبي موسَى: مَن اشْتَرَى دارًا، فجَعَلَها مَسْجِدًا، فقد اسْتَهْلَكَها، ولا شُفْعةَ فيها. ولأنَّ في الشُّفْعةِ ههُنا إضْرارًا بالمَوْهُوبِ له، والمَوْقُوفِ عليه؛ لأنَّ مِلْكَه يَزُولُ عنه بغيرِ عِوَضٍ، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، بخِلَافِ البَيْعِ، فإنَّه إذا فَسَخَ البَيْعَ الثانىَ، رَجَعَ المُشْتَرِي الثاني بالثمنِ الذي أُخِذَ منه، فلا يَلْحَقُه ضَرَرٌ، ولأنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعةِ ههُنا يُوجِبُ رَدَّ العِوَضِ إلى غيرِ المالِكِ، وسَلْبَه عن المالِكِ، فإذا قُلْنا بِسُقُوطِ الشُّفْعةِ، فلا كلامَ، وإن قُلْنا بِثُبُوتِها، فإنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ ممَّن هو في يَدِه، ويَفْسَخُ عَقْدَه، ويَدْفَعُ الثمنَ إلى المُشْتَرِى. وحُكِى عن مالِكٍ أنَّه يكونُ لِلْمَوْهُوبِ له؛ لأنَّه يَأْخُذُ مِلْكَه. ولَنا، أنَّ


(٧) في الأصل: "إلا أن".
(٨) في الأصل: "المبيع".
(٩) في الأصل، م: "فبأن".
(١٠) أبو على الحسن بن عيسى بن ماسرجس الماسرجسى النيسابورى، أسلم على يد ابن المبارك، وكان ورعا دينا ثقة، ولما مَرَّ ببغداد وحدث بها، عدوا في مجلسه اثنتى عشرة ألف محبرة، توفي سنة أربعين ومائتين. الأنساب ٥٠١ و, العبر ١/ ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>