للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَدُّ الشَّهادةِ حُكْمانِ للقَذْفِ، فيَثْبُتان جميعًا به، وتخلُّفُ اسْتِيفاءِ أحدِهما، لا يَمْنَعُ ثُبوتَ الآخَرِ. وقولُهم: إنَّما يتَحقَّقُ بالجَلْدِ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الجلدَ حُكْمُ القَذْفِ الذى تَعذَّرَ تَحْقيقُه، فلا يُسْتَوْفَى قبلَ تَحَقُّقِ القَذْفِ، كيف يجوزُ أن يُسْتوفَى حَدٌّ قبلَ تَحقُّقِ سَبَبِه، ويَصيرَ مُتحَقِّقًا بعدَه (١٥)؟ هذا باطِلٌ.

فصل: والقاذفُ فى الشَّتْمِ تُرَدُّ شهادتُه ورِوايتُه حتى يَتُوبَ، والشَّاهِدُ بالزِّنَى إذا لم تَكْمُلِ البَيِّنَةُ، تُقْبَلُ رِوايتُه دونَ شَهادتِه. وحُكِىَ عن الشَّافعىِّ، أَنَّ شهادتَه لا تُرَدُّ. ولَنا، أَنَّ عُمرَ لم يَقْبَلْ شهادةَ أبى بَكْرَةَ، وقال له: تُبْ، أَقْبَلْ شَهادتَك. ورِوايتُه مَقْبولةٌ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا فى قبولِ رِواية أبى بَكْرَةَ، مع رَدِّ عُمرَ شَهادتَه.

١٩٠٣ - مسألة؛ قال: (وَتَوبَتُهُ أَنْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ)

ظاهرُ كلامِ أحمدَ والْخِرَقِىِّ، أَنَّ تَوْبَةَ القاذِفِ إكْذابُه (١) نَفْسَه، فيقولُ: كَذَبْتُ فيما قلتُ. وهذا مَنْصوصُ الشَّافعىِّ، واخْتيارُ الإصْطَخْرِىِّ من أصْحابِه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وممَّن (٢) قالَ هذا سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، وطاوسٌ، والشَّعْبِىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ؛ لما رَوَى الزُّهْرِىُّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّب، عن عُمرَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال، فى قولِه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣). قال: "تَوْبَتُهُ إِكْذَابُ نَفْسِهِ" (٤)؛ ولأنَّ عِرْضَ المَقْذوفِ تَلوَّثَ بقَذْفِه، فإكْذابُه نفسَه يُزيلُ ذلك التَّلْوِيثَ، فتكونُ التَّوبةُ به. وذكرَ القاضى أَنَّ القَذْفَ إن كان سَبًّا، فالتَّوبةُ منه إكْذَابُ نفسِه، وإن كانَ شَهادةً، فالتَوبةُ منه أن يقولَ: القَذْفُ حرامٌ باطِلٌ، ولن أعُودَ إلى ما قُلتُ. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشَّافعىِّ. قال: وهو المَذهبُ؛ لأَنَّه قد يكونُ صادقًا، فلا يُؤْمَرُ بالكَذِبِ، والخَبرُ مَحْمولٌ على الإِقْرارِ بالبُطْلانِ؛ لأَنَّه نوعُ


(١٥) فى الأصل: "بحد".
(١) فى م: "إكذاب".
(٢) فى ب: "ومن".
(٣) سورة النور ٥.
(٤) فى ب: "لنفسه". وذكر صاحب كنز العمال ٢/ ٤٧٤، أن ابن مردويه أخرجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>