للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الضَّمانُ على المُباشِرِ، كما لو لم يَعْلَم المُمْسِكُ أنَّه يَقْتُلُه. ولَنا، ما رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ (٦)، بإسنادِه عن ابنِ عمرَ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلَ، وقَتَلَه الآخَرُ، يُقْتَلُ الَّذي قَتَلَ، ويُحْبَسُ الَّذِي أمْسَكَ". ولأنَّه حَبَسَه إلى المَوْتِ، فيُحْبَسُ الآخَرُ إلى المَوْتِ، كما لو حَبَسَه عن الطَّعامِ والشَّرابِ حتى مات، فإنَّنا نَفْعَلُ به ذلك حتى يَمُوتَ.

فصل: وإن اتَّبَعَ رَجُلًا ليَقْتُلَه، فهَرَبَ منه، فأدْرَكه آخَرُ، فقَطَعَ رِجْلَه، ثم أدْرَكه الثاني فقَتَلَه، نَظَرْتَ؛ فإن كان قَصْدُ الأَوَّلِ حَبْسَه بالقَطْعِ ليَقْتُلَه الثاني، فعليه القِصاصُ في القَطْعِ، وحُكْمُه في القِصاصِ في النَّفْسِ حُكْمُ المُمْسِكِ؛ لأنَّه حَبَسَه على القَتْلِ، وإن لم يَقْصِدْ حَبْسَه، فعليه القَطْعُ دُونَ القَتْلِ، كالذى أمْسَكَه غيرَ عالمٍ. وفيه وجهٌ آخَرُ، ليس عليه إلَّا القَطْعُ بكلِّ حالٍ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّه الحابسُ له بفِعْلِه، فأشْبَهَ الحابِسَ بإمْساكِه. فإن قيل: فلِمَ اعْتَبَرْتُمْ قَصْدَ الإِمْساكِ ههُنا، وأنتم لا تَعْتَبِرُونَ إرادةَ القَتْلِ في الجارحِ؟ قُلْنا: إذا مات من الجُرْحِ، فقد مات من سِرَايَتِه وأثَرِه، فنَعْتَبِرُ قَصْدَ الجُرْحِ الذي هو السَّبَبُ دُونَ قَصْدِ الأثَرِ، وفي مسأَلَتِنا إنَّما كان مَوْتُه بأمْرٍ غيرِ السِّرَايةِ، والفِعْلُ مُمَكِّنٌ له عليه (٧)، فاعْتُبِرَ قَصْدُه لذلك الفِعْلِ، كما لو أمْسَكَه.

١٤٥٩ - مسألة؛ قال: (ومَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا، وَكَانَ الْعَبْدُ أعْجَمِيًّا، لَا يَعْلَمُ أن القَتْلَ مُحَرَّمٌ، قُتِلَ السَّيِّدُ، وإنْ كَانَ يَعْلَمُ خَطَرَ القَتْلِ، قُتِلَ العَبْدُ، وأُدِّبَ السَّيِّدُ)

إنَّما ذكَرَ الْخِرَقِيُّ (١) كَوْنَه أعْجَمِيًّا، وهو الذي لا يُفْصِحُ، ليَتَحَقَّقَ منه الجَهْلُ، وإِنَّما يكون الجَهْلُ (١) في حَقِّ من نَشَأَ في غيرِ بلادِ الإِسْلامِ، فأمَّا مَن أقَامَ في بلادِ الإِسلامِ


(٦) في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٤٠.
(٧) سقط من: الأصل، ب.
(١) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>