للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثٌ صَحِيحٌ. ولأنَّ وُجُوبَ الغُسْلِ يَنْدُرُ، فلا يَشُقُّ إيجَابُ غَسْلِ القَدَمِ، بخِلافِ الطَّهارَةِ الصُّغْرَى، ولذلك وَجَبَ غَسْلُ ما تَحْتَ الشُّعُورِ الكثِيفة، وهكذا الحُكْمُ في العِمَامَةِ، وسائِرِ الحوائِلِ، إلَّا الجَبِيرَةَ وما في مَعْناها.

فصل: فإنْ تَطَهَّرَ، ثم لَبِسَ الخُفَّ، فأحْدَثَ قبلَ بُلُوغِ الرِّجْلِ قَدَمَ الخُفِّ، لم يَجُزْ له المَسْحُ؛ لأنَّ الرِّجْلَ حَصَلَت في مَقَرِّها وهو مُحْدِثٌ، فصارَ كما لو بَدَأ اللُّبْسَ وهو مُحْدِثٌ.

فصل: فإنْ تَيَمَّمَ، ثم لَبِسَ الخُفَّ، لم يكنْ له المَسْحُ؛ لأنَّه لَبِسَهُ على طَهارَةٍ غيرِ كامِلَةٍ، ولأنَّها طهارَةُ ضَرُورَةٍ، بَطَلَتْ مِنْ أَصْلِها، فصارَ كاللَّابِسِ له على غيرِ طهارَةٍ، ولأنَّ التَّيَمُّمَ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ، فقد لَبِسَه وهو مُحْدِثٌ. وإنْ تَطَهَّرَتِ المُسْتَحَاضَةُ، ومَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ، وشِبْهُهُما، ولَبسُوا خِفَافًا، فلهم المَسْحُ عليها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ طَهارَتَهُم كامِلَةٌ في حَقِّهِم. قال ابْنُ عَقِيلٍ: لأنَّها مُضْطَرَّةٌ إلى التَّرَخُّصِ، وأَحَقُّ مَنْ يتَرَخَّصُ (٥) المُضْطَرُّ. فإن انْقَطَعَ الدَّمُ، وزَالَت الضَّرُورَةُ، بَطَلَتَ الطَّهارَةُ مِنْ أصْلِها، ولم يكنْ لها المَسْحُ، كالمُتَيَمِّمِ إذا وَجَدَ الماءَ.

فصل: إذا لَبِسَ خُفَّيْنِ، ثم أحْدَثَ، ثم لَبِسَ فوقَهُما خُفَّيْنِ أو جُرْمُوقَيْنِ (٦)، لم يَجُزِ المَسْحُ عليهما، بِغيرِ خِلَافٍ؛ لأنَّه لَبِسَهُما على حَدَثٍ. وإنْ مَسَحَ على الأَوَّلَيْنِ، ثم لَبِسَ الجُرْمُوقَيْنِ، لم يَجُزِ المَسْحُ عليهما أيضًا. ولأصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ في تَجْوِيزِه؛ لأنَّ المَسْحَ قائِمٌ مَقَامَ غَسْلِ القَدَمِ. ولَنا، أنَّ المَسْحَ على الخُفِّ لم يُزِل الحَدَثَ عَنِ الرَّجُلِ، فكأنَّه لَبِسَه على حَدَثٍ، ولأنَّ الخُفَّ المَمْسُوحَ عليه بَدَلٌ، والبَدَلُ لا يكونُ له بَدَلٌ، ولأنَّهُ لَبِسَهُ على طَهَارَةٍ غيرِ كامِلَةٍ، فأشْبَهَ المُتَيَمِّمَ. وإنْ لَبِسَ الفَوْقَانِيَّ قبلَ أنْ يُحْدِثَ، جَازَ المَسْحُ عليه بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كان الذي تحتَه صَحِيحًا أو مُخَرَّقًا. وهو قَوْلُ الحسنِ بنِ صَالِحٍ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزَاعِيِّ،


(٥) في م: "ترخص".
(٦) الجرموق، كعصفور: ما يلبس فوق الخف.

<<  <  ج: ص:  >  >>