للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَى رِجْلَيْهِ، فأدْخَلَها الخُفَّ، ثم غَسَلَ الأُخْرَى وأَدْخَلَها الخُفَّ، لم يَجُز المَسْحُ أيضًا. وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وإسْحَاق، ونَحْوُه عن مَالِكٍ. [وحَكَى بَعْضُ أصحابِنا رِوَايَةً أُخْرَى عن أحمدَ] (٢)، أنَّه يجوزُ المَسْحُ. رَوَاهَا أبو طالِبٍ عنه، وهو قَوْلُ يحيى بنِ آدَم، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحاب الرَّأْىِ، لأنَّه أحْدَثَ بعدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ واللُبْسِ، فجازَ المَسْحُ، كما لو نَزَعَ الخُفَّ الأَوَّلَ ثم عادَ فلَبِسَهُ. وقِيل أيضًا، فِيمَنْ غَسَلَ رِجْلَيْه، ولَبِسَ خُفَّيْه، ثم غَسَلَ بَقِيَّةَ أَعْضَائِهِ: يجوزُ له المَسْحُ. وذلك مَبْنِيٌّ على أنَّ الترْتِيبَ غيرُ وَاجِبٍ في الوُضُوءِ، وقد سَبَقَ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعْهُمَا، فإنِّي أَدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ". وفِي لَفْظٍ لأبي داود: "دَعِ الخُفَّيْنِ، فَإنِّي أدْخَلْتُ القَدَمَيْنِ الخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ". فجَعَلَ العِلَّةَ وُجُودَ الطَّهَارَةِ فيهما جميعًا وَقْتَ إدْخالِهِما، ولم تُوجَدْ طَهَارَتُهما وَقْتَ لُبْسِ الأَوَّلِ، ولأَنَّ ما اعْتُبِرَتْ له الطَّهارةُ اعْتُبِرَ له كَمَالُها؛ كالصَّلَاةِ، ومَسِّ المُصْحَفِ، ولأنَّ الأوَّلَ خُفٌّ مَلْبُوسٌ قَبْلَ رَفْعِ الحَدَثِ، فلم يَجُز المَسْحُ عليه، كما لوْ لَبِسَهُ قبلَ غَسْلِ قَدَمِه (٣)، ودَلِيلُ بَقَاءِ الحَدَثِ أنَّه لا يجوزُ له مَسُّ المُصْحَفِ بالعُضْوِ المَغْسُولِ، فأمَّا إذا نَزَعَ الخُفَّ الأوَّلَ، ثمَّ لَبِسَهُ، فقدْ لَبِسَهُ بعدَ كَمَالِ الطَّهارةِ.

وقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: "ثم أحْدَثَ". يَعْنِي الحَدَثَ الأصْغَرَ؛ فإنَّ جَوَازَ المَسْحِ مُخْتَصٌّ به، ولا يُجْزِىءُ المَسْحُ في جَنابةٍ، ولا غُسْلٍ وَاجِبٍ، ولا مُسْتَحَبٍّ، لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. وقد رَوَى صَفْوَانُ بنُ عَسَّالٍ المُرَادِيُّ، قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْمُرُنا إذا كُنَّا مُسَافِرِينَ، أو سَفْرًا، أنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أيَّامٍ ولَيَالِيهِنَّ، إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، لكنْ مِنْ غائِطٍ وبَوْلٍ ونَوْمٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٤). وقال:


(٢) في الأصل: "وحُكى عن بعض أصحابنا رواية أخرى".
(٣) في م: "قدميه".
(٤) في: باب ما جاء في المسح على الخفين للمسافر والمقيم، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٤٢. والنسائي، في: باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ٧١. وابن ماجه، في: باب الوضوء من النوم، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٦١. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٣٩، ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>