للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمًّا، وفِي الْآخَرِ شِفَاءً". قال ابنُ الْمُنذِر: ثَبَتَ أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك.

قال الشافعيُّ: مَقْلُه ليس بِقَتْلِه.

قلنا: اللفظُ عامٌّ في كلِّ شرابٍ باردٍ، أو حارٍّ، أو دُهْنٍ، ممّا يمُوتُ بغَمْسِه فيه، فلو كان يُنَجِّسُ الماءَ كان أمْرًا بإفْسادِه، وقد رُوِىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لسَلْمانَ: "يَا سَلْمَانُ، أَيُّمَا طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مَاتَتْ فِيهِ دَابةٌ لَيْسَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلةٌ، فَهُوَ الْحلَالُ: أكْلُهُ، وشُرْبُهُ، ووُضُوؤُهُ". وهذا صريحٌ. أخْرَجه التِّرْمِذيُّ، (١٠) والدَّارَقُطْنِيُّ، (١١) قال التِّرْمِذِيُّ: يرْوِيه بَقِيَّةُ، (١٢) وهو يُدَلِّس (١٣)، فإذا روَى عن الثِّقاتِ جَوَّد. [ولأنه لا نَفْسَ له] (١٤) سائلةٌ، لم يتوَلَّدْ مِن النجاسةِ، فأَشْبَهَ دُودَ الخلِّ إذا مات فيه، فإنهم سَلَّمُوا ذلك ونحوَه، أنه لا ينْجُس المائِع الذي تولَّد منه، إلَّا أن يُؤْخَذَ ثم يُطْرَحَ فيه، أو يشُقَّ الاحْترازُ منه، أشْبَهَ ما ذكرْناه، وإذا ثبَت أنه لا ينْجُس، لَزِمَ أن لا يكونَ نَجِسًا؛ لأنه لو كان نَجِسًا لنَجُسَ كسائِر النَّجاسات.

فصل: فإن غَيَّرَ الماءَ فحُكْمهُ حكمُ الطاهِرات؛ إن كان مما لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، كالجَرادِ يتسَاقَطُ في الماء ونحوِه، فهو كوَرَقِ الشَّجَرِ الْمُتناثِرِ في الماء، يُعْفَى عنه، وإن كان ممَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، كالذي يُلْقَى في الماء قَصْدًا، فهو كالوَرَقِ الذي يُلْقَى في الماء.

ولو تغيَّر الماءُ بحَيوانٍ مُذَكىًّ، من غير أن يُصِيبَ نجاسةً، فقد نقَل إسحاقُ بن منصور، قال: سُئل أحمدُ عن شاةٍ مَذْبُوحةٍ، وقعتْ في ماءٍ فتغيَّر رِيحُ الماءِ؟ قال: لا بأسَ، إنَّما ذلك إذا كان مِن نجاسةٍ. وقال عبد اللَّه بن أحمد: قال أبي: وأمَّا


(١٠) لم نجده في سنن الترمذى، وإنما هو عند البيهقي، في: باب ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء القليل، من كتاب الطهارة. السنن الكبرى ١/ ٢٥٣. وانظر: حاشيته الدر النقي، وانظر أيضًا: نصب الراية ١/ ١١٥.
(١١) في: باب كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ٣٧.
(١٢) أي: ابن الوليد بن صائد. انظر ترجمته في الميزان ١/ ٣٣١.
(١٣) في م: "مدلس".
(١٤) في م: "ولأن ما لا نفس".

<<  <  ج: ص:  >  >>