للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَجْنُونِ، وبهذا فَارَقَ السَّفِيهَ. وقد ذَكَرَ أبو الخَطَّابِ أنَّ الحَجْرَ على السَّفِيهِ يَزُولُ بِزَوَالِ السَّفَهِ. والأوَّلُ أوْلَى. فصَارَ الحَجْرُ مُنْقَسِمًا إلى ثَلَاثَةِ أقْسامٍ، قِسْمٌ يَزُولُ بغيرِ حُكْمِ (٢) حَاكِمٍ، وهو حَجْرُ المَجْنُونِ، وقِسْمٌ لا يَزُولُ إلَّا بِحَاكِمٍ، وهو حَجْرُ السَّفِيهِ، وقِسْمٌ فيه الخِلَافُ، وهو حَجْرُ الصَّبِىِّ.

الفصل الثانى، أنَّه لا يُدْفَعُ إليه مَالُه قَبْلَ وُجُودِ الأمْرَيْنِ، البُلُوغِ والرُّشْدِ ولو صَارَ شَيْخًا. وهذا قولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أكْثَرُ عُلمَاءِ الأمْصارِ من أهْلِ الحِجَازِ، والعِرَاقِ، والشَّامِ، ومِصْرَ، يَرَوْنَ الحَجْرَ على كل مُضَيِّعٍ لِمَالِه، صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا. وهذا قولُ القَاسِمِ بن مُحَمَّدِ بن أبى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. ورَوَى الجُوزَجَانِىُّ، فى "كِتَابِه"، قال: كان القاسمُ بنُ محمدٍ يَلِى أمْرَ شَيْخٍ من قُرَيْشٍ ذِى أَهْلٍ ومَالٍ، فلا يَجُوزُ له أمْرٌ فى مَالِه دُونَه؛ لِضَعْفِ عَقْلِه. قال ابنُ إسحاقَ: رَأيْتُه شَيْخًا يَخْضِبُ، وقد جاءَ إلى القاسمِ بن محمدٍ، فقال: يا أبا محمدٍ، ادْفَعْ إلَىَّ مَالِى، فإنَّه لا يُوَلَّى على مِثْلِى. فقال: إنَّكَ فَاسِدٌ. فقال: امْرَأَتُه طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وكُلُّ مَمْلُوكٍ له (٣) حُرٌّ، إنْ لم تَدْفَعْ إلَىَّ مَالِى. فقال له القاسمُ بنُ محمدٍ: وما يَحِلُّ لنا أن نَدْفَعَ إليك مَالَكَ على حَالِكَ هذه. فبَعَثَ إلى امْرَأَتِه، وقال: هى حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ، وما كنتُ لأَحْبِسَها عليك وقد فُهْتَ بِطَلاقِهَا. فأَرْسَلَ إليها فأخْبَرَها ذلك، وقال: أمَّا رَقِيقُكَ فلا عِتْقَ لك، ولا كَرَامَةَ. فحَبَسَ رَقِيقَه. قال ابنُ إسحاقَ: ما كان يُعَابُ على الرَّجُلِ إلَّا سَفَهُه. وقال أبو حنيفةَ: لا يُدْفَعُ مَالُه إليه قَبْلَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، وإن تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُه، فإذا بَلَغَ خَمْسًا وعِشْرِينَ سَنَةً، فُكَّ عنه الحَجْرُ. ودُفِعَ إليه مَالُهُ؛ لِقَولِ اللهِ تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ


(٢) سقط من: الأصل.
(٣) والأصل: "لى".

<<  <  ج: ص:  >  >>