للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي حنيفةَ، ومالِكٍ، وأحدُ قَوْلَىِ الشافِعِيِّ، وقال في الآخَر: لا يَضْمَنُ، ما لم يَتَعَدَّ. قال الرَّبِيعُ: هذا مذهبُ الشافِعِيِّ، وإن لم يَبُحْ به. ورُوِى ذلك عن عَطَاءٍ، وطَاوُسٍ، وزُفَر؛ لأنَّها عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الإِجَارَةِ، فلم تَصِرْ مَضْمُونةً، كالعَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ. ولَنا، ما رَوَى جعفرُ بن محمدٍ، عن أبِيه، عن علىٍّ أنَّه كان يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ والصَّوّاغَ، وقال: لا يُصْلِحُ الناسَ إلَّا ذلك (٢). ورَوَى الشافِعِيُّ، في "مُسْنَدِه" (٣)، بإسْنادِه على عَلِيٍّ، أنَّه كان يُضَمِّنُ الأُجَرَاءَ، ويقول: لا يُصْلِحُ الناسَ إلَّا هذا. ولأنَّ عَمَلَ الأجِيرِ المُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عليه، فما تَوَلَّدَ منه يَجِبُ أن يكونَ مَضْمُونًا، كالعدوان بِقَطْعِ عُضْوٍ، بخِلَافِ الأجِيرِ الخاصِّ، والدّلِيلُ على أنَّ عَمَلَه مَضْمُونٌ عليه، أنَّه لا يَسْتَحِقُّ العِوَضَ إلَّا بالعَمَلِ، وأنَّ الثَّوْبَ لو تَلِفَ في حِرْزِه بعدَ عَمَلِه، لم يكُنْ له أجْرٌ فيما عَمِلَ فيه، وكان ذَهَابُ عَمَلِه من ضَمَانِهِ، بخِلِافِ الخاصِّ، فإنَّه إذا أمْكَنَ المُسْتَأْجِرَ من اسْتِعْمالِه، اسْتَحَقَّ العِوَضَ بمُضِيِّ المُدَّةِ وإن لم يَعْمَلْ، وما عَمِلَ فيه من شيءٍ فتَلِفَ من حِرْزِه، لم يَسْقُطْ أجْرُه بِتَلَفِه.

فصل: ذَكَرَ القاضي أنَّ الأجِيرَ المُشْتَرَكَ إنَّما يَضْمَنُ إذا كان يَعْمَلُ في مِلْكِ نَفْسِه، مثل الخَبَّازِ يَخْبِزُ في تَنُّورِه ومِلْكِه، والقَصَّارِ والخَيّاطِ في دُكَّانَيْهِما، قال: ولو دَعَا الرَّجُلُ خَبَّازًا، فخَبَزَ له في دارِه، أو خَيَّاطًا أو قَصَّارًا لِيَقْصِرَ ويَخِيطَ عندَه، لا ضَمَانَ عليه فيما أتْلَفَ، ما لم يُفَرِّطْ؛ لأنَّه سَلَّمَ نَفْسَه إلى المُسْتَأْجِرِ، فيَصِيرُ كالأجِيرِ الخاصِّ. قال: ولو كان صاحِبُ المَتاعِ مع المَلَّاحِ في السَّفِينةِ، أو راكِبًا على الدَّابَّةِ فوقَ حِمْلِه، فعَطِبَ الحِمْلُ، لا ضَمانَ على المَلَّاحِ والمُكَارِى؛ لأنَّ يَدَ صاحِبِ المَتاعِ لم تَزُلْ، ولو كان رَبُّ المَتاعِ والجَمَّالُ راكِبَيْنِ على الحِمْلِ، فتَلِفَ حِمْلُه، لم يَضْمَنْهُ


= وأخرجه ابن أبي شيبة عن عبد اللَّه بن عتبة في: باب الأجير يضمن أم لا؟ من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٦/ ١٢٧.
(٢) أخرجه البيهقي، في الباب السابق، الموضع السابق.
(٣) لم نجده في مسند الشافعي، وأخرجه البيهقي عن الشافعي، في الباب السابق، الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>