للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرَى الانْتِظارَ بالجُرْحِ حتى يَبْرَأَ. ويتَخَرَّجُ لنا، أنَّه يجوزُ الاقْتِصاصُ قبلَ البُرْءِ، بِناءً على قولِنا: إنَّه إذا سَرَى إلى النَّفْسِ، يَفْعَلُ به (٣١) كما فَعَلَ. وهذا قولُ الشافعىِّ، قال: ولو سأَلَ القَوَدَ ساعةَ قُطِعَت إصْبَعُه، أقَدْتُه؛ لما رَوَى جابرٌ، أنَّ رَجُلًا طَعَنَ رجلًا بقَرْنٍ في رُكْبَتِه، فقال: يا رسولَ اللَّه، أقِدْنِي. قال: "حَتَّى تَبْرَأَ". فأبَى، وعَجَّلَ، فاسْتَقادَ له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعِيبَتْ رِجْلُ المُسْتَقِيدِ، وبَرأَتْ رجلُ المُسْتَقادِ منه. فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ لَكَ شَىْءٌ، إنَّكَ (٣١) عَجِلْتَ". رَوَاه سعيدٌ مُرْسَلًا (٣٢). ولأنَّ القِصاصَ من الطَّرَفِ لا يَسْقُطُ بالسِّرَايةِ، فوَجَبَ أن يَمْلِكَه في الحالِ، كما لو بَرَأَ. ولَنا، ما رَوَى جابِرٌ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: نَهَى أن يُسْتَقَادَ من الجارِحِ (٣٣) حتى يَبْرَأَ المَجْرُوحُ. ورواه الدَّارَقُطْنِىُّ (٣٤)، عن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه، عن جَدِّه، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولأنَّ الجُرْحَ لا يُدْرَى أَقَتْلٌ هو أم ليس بقَتْلٍ، فيَنْبَغِى أن يُنْتَظَرَ ليُعْلَمَ ما حُكْمُه؟ فأمَّا حَدِيثُهم، فقد روَاه الدَّارَقُطْنِىُّ، وفى سِياقِه، فقال: يا رسولَ اللَّه، عَرَجْتُ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِى، فأبْعَدَكَ اللهُ، وبَطَلَ عَرَجُكَ". ثم نَهَى أن يُقْتَصَّ من جُرْحٍ حتى يَبْرَأَ صاحِبُه. وهذه زِيادةٌ يجبُ قَبُولُها، وهى متأَخِّرَةٌ عن الاقْتِصاصِ، فتكونُ ناسِخةً له. وفى نفسِ الحديثِ ما يَدُلُّ على أنَّ اسْتِقادَتَه (٣٥) قبلَ البُرْءِ مَعْصِيَةٌ؛ لقَوْلِه: "قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِى". وما ذكَرُوه مَمْنُوعٌ، وهو مَبْنَى (٣٦) الخِلافِ.

فصل: فإن اقْتَصَّ قبلَ الانْدِمالِ، هُدِرَتْ سِرَايةُ الجِنايةِ. وقال أبو حنيفةَ،


(٣١) سقط من: م.
(٣٢) وأخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ٨٨، ٨٩. والبيهقي، في: باب ما جاء في الاستثناء بالقصاص من الجرح والقطع، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى ٨/ ٦٧.
(٣٣) في الأصل، ب: "الجرح". وفي م: "الجروح". والمثبت من: سنن الدارقطني، والسنن الكبرى.
(٣٤) أخرج الدارقطني حديثى جابر وعمرو بن شعيب، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ٨٨. وأخرج الإِمام أحمد حديث عمرو بن شعيب، في: المسند ٢/ ٢١٧.
(٣٥) في الأصل "استفائه".
(٣٦) في ب، م زيادة: "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>