للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقِيبَ الحَفْرِ، أو الحائطُ بعدَ بِنَائِه وقبلَ تَسْلِيمِه، لم يَبْرَأْ من العَمَلِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ ابنِ مَنصورٍ. فإنَّه إذا قال: اسْتَعْمِلْ ألْفَ لَبِنَةٍ في كذا وكذا. فعَمِلَ، ثم سَقَطَ، فله الكِرَاءُ. وأمَّا الأجيرُ الخاصُّ فيَسْتَحِقُّ أجْرَه بمُضِيِّ المُدَّةِ، سواءٌ تَلِفَ ما عَمِلَه أو لم يَتْلَفْ. نَصَّ عليه أَحمدُ، فقال: إذا اسْتَأْجَرَه يَوْمًا، فعَمِلَ، وسَقَطَ عندَ اللَّيْلِ ما عَمِلَ، فله الكِرَاءُ؛ وذلك لأنَّه إنَّما يَلْزَمُه تَسْلِيمُ نَفْسِه، وعَمَل ما يُسْتَعْمَلُ فيه، وقد وُجِدَ ذلك منه، بخِلَافِ الأجِيرِ المُشْتَرَكِ. ولو اسْتَأْجَرَ أجِيرًا لِيَبْنِىَ له حائِطًا طُوله عَشْرَةُ أذْرُعٍ، فبَنَى بعضَه، فسَقَطَ، لم يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حتى يُتَمِّمَهُ، سواءٌ كان في مِلْكِ المُسْتَأْجِرِ أو في غيرِه؛ لأنَّ الاسْتِحْقاقَ مَشْرُوطٌ بإتْمامِه، ولم يُوجَدْ. قال أحمدُ: إذا قيل له: ارْفَعْ حائِطًا كذا وكذا ذِرَاعًا. فعليه أن يُوَفِّيَه، فإن سَقَطَ، فعليه التَّمامُ. وكذا لو اسْتَأْجَرَه لِيَحْفِرَ له بِئْرًا عُمْقُها عَشْرَةُ أذْرُعٍ، فحَفَرَ منها خَمْسةً، وانْهارَ فيها تُرابٌ من جَوَانِبِها، لم يَسْتَحِقَّ شيئا حتى يُتَمِّمَ حَفْرَهَا.

٩١٠ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ حِرْزٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا أجْرَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا)

اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، في الأجِيرِ المُشْتَرَكِ إذا تَلِفَتِ العَيْنُ من حِرْزِه، من غير تَعَدٍّ منه ولا تَفْرِيطٍ، فرُوِى عنه: لا يَضْمَنُ. نَصَّ عليه، في رِوَايةِ ابنِ منصورٍ. وهو قولُ طاوُسٍ، وعَطَاءٍ، وأبى حنيفةَ، وزُفَر، وقولُ الشافِعِيِّ. ورُوِي عن أحمدَ، إن كان هَلَاكُه بما اسْتَطاعَ، ضَمِنَه، وإن كان غَرَقًا أو عَدُوًّا غالِبًا، فلا ضَمَانَ. قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبي طالبٍ: إذا جَنَتْ يَدُه، أو ضاعَ من بين مَتَاعِه، ضَمِنَه، وإن كان عَدُوًّا أو غَرَقًا، فلا ضَمَانَ. ونحوَ هذا قال أبو يوسفَ. والصَّحِيحُ في المذهبِ الأَوَّلُ. وهذه الرِّوَايةُ تَحْتَمِلُ أنَّه إنَّما أوْجَبَ عليه الضَّمَانَ إذا تَلِفَ من بين مَتَاعِه خاصَّةً؛ لأنَّه يُتَّهَمُ. ولهذا قال في الوَدِيعَةِ، في رِوَايةٍ: إنَّها تُضْمَنُ إذا ذَهَبَتْ من بين مالِه، فأمَّا غيرُ ذلك فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّ تخْصِيصَهُ (١) التَّضْمِينَ بما إذا تَلِفَ من بين مَتَاعِه، يَدُلُّ على أنَّه


(١) في م: "تخصيص".

<<  <  ج: ص:  >  >>