للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (٩). فصارَ كالكافِرِ الأصْلِىِّ في جَمِيعِ أحْكَامِهِ. والثَّانية، يَلْزَمُه قَضاءُ ما تَرك مِن العباداتِ في حالِ رِدَّتِه، وإسْلَامِه قبلَ رِدَّتِه، ولا يجبُ عليه إعادةُ الحجِّ؛ لأنَّ العملَ إنَّما يَحْبَطُ بالإِشْراكِ مع المَوْتِ، لقولهِ تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (١٠). فشَرَطَ الأمْرَيْنِ لِحُبُوطِ العَمَلِ، وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ (١١) المُرْتَدَّ أقَرَّ بوُجُوبِ العِبادَاتِ عليهِ، واعْتَقَدَ ذلك وقَدَرَ على التَّسَبُّب إلى أدَائِهَا، فلَزِمَهُ ذلك، كالمُحْدِثِ. ولو حاضَتِ المرأةُ المُرْتَدَّةُ لم يَلْزَمْها قَضَاءُ الصلاةِ في زمنِ حَيْضِها؛ لأن الصلاةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عليها في تلك الحَالِ. وذَكَرَ القَاضِى رِوَايةً ثَالِثَةً، أنه لا قضاءَ عليه لِمَا تَرَكَ في حالِ رِدَّتِهِ؛ لأنهُ تَرَكَه في حالٍ لم يكن مُخَاطَبًا بها لِكُفْرِهِ، وعليهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ في إسْلَامِهِ قبلَ الرِّدَّةِ؛ لأَنَّه (١٢) كان واجِبًا عليه، ومُخَاطَبًا به قبلَ الرِّدَّةِ، فبَقِىَ (١٣) الوُجُوبُ عليه بحَالِه. قال: وهذا المَذْهَبُ. وهو قولُ أبى عبدِ اللهِ ابن حامِدٍ، وعلى هذا لا يلْزَمُه اسْتِئْنَافُ الحَجِّ إن كان قد حَجَّ؛ لأنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ منه بِفِعْلِهِ قبل الرِّدَّةَ، فلا (١٤) يشْتَغِلُ بهِ بعدَ ذلك، كالصلاةِ التي صلَّاهَا في إسلامِهِ؛ لِأنَّ (١٥) الرِّدَّةَ لو أسْقَطَتْ حَجَّه وأبْطَلَتْه، لأَبْطَلَتْ سَائِرَ عِبَادَاتِه المَفْعُولة قبلَ رِدَّتِه.

فصل: فأمَّا الصبِىُّ العاقلُ فلا (١٦) تَجِبُ عليهِ في أصحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وعنه أنَّها تَجِبُ على مَنْ بلغ عَشْرًا، وسَنَذْكُرُ ذلك إنْ شاء اللهُ تعالى. فعلى قولِنَا إنَّها لا


(٩) سورة الزمر ٦٥.
(١٠) سورة البقرة ٢١٧.
(١١) في م: "ولأن".
(١٢) في م: "ولأنه".
(١٣) في م: "فيبقى".
(١٤) في الأصل: "فلم".
(١٥) في م: "ولأن".
(١٦) في م: "فإنه" خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>