للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوزُ إذا تَناهَى جَفافُه مِثْلًا بِمِثْلٍ. ومَفْهُومُ كلامِ الخِرَقِىِّ هاهُنا: إباحَةُ ذلك؛ لأنَّ مَفْهُومَ نَهْيِهِ عليه السَّلامُ عن بَيْعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ إباحةُ بَيْعِ كلِّ واحدٍ منهما بمِثْلِهِ، ولأنَّهما تَسَاوَيَا فى الحالِ على وجْهٍ لا يَنْفَرِدُ أحَدُهما بالنُّقْصَانِ، فجازَ، كَبَيْعِ اللَّبَنِ باللَّبَنِ، والتَّمْرِ بالتَّمْرِ، ولأنَّ قَوْلَه تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٩) عامٌّ خَرَجَ منه المَنْصوصُ عليه، وهو بَيْعُ التَّمْرِ بالتَّمْرِ، وليس هذا فى مَعْناه، فبَقِىَ على العُمومِ، وما ذَكَرهُ لا يَصِحُّ، فإنَّ التَّفاوُتَ كثيرٌ، ويَنْفَرِدُ أحَدُهما بالنُّقْصانِ، بِخِلافِ مَسْألَتِنا. ولا بَأْسَ بِبَيْعِ الحديثِ بالعَتِيقِ؛ لأنَّ التَّفاوُتَ فى ذلك يَسيرٌ، ولا يُمْكِنُ ضَبْطُه، فَعُفِىَ (١٠) عنه.

٧٠٨ - مسألة؛ قال: (ولا يُباعُ مَا أَصْلُه الكَيْلُ بِشَىْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، ولا مَا أَصْلُه الوَزْنُ كَيْلًا)

لا خِلافَ بين أَهْلِ العِلْمِ فى وُجُوبِ المُماثلَةِ فى بَيْعِ الأَمْوالِ التى يَحْرُمُ التَّفاضُلُ فيها، وأنَّ المُساواةَ المَرْعِيَّةَ هى المُساواةُ فى المَكيلِ كَيْلًا وفى المَوْزُونِ وَزْنًا، ومَتَى تَحَقَّقَتْ هذه المُساواةُ، لم يَضُرَّ اخْتِلافُهُما فيما سِواها. وإن لم يُوجَدْ، لم يَصِحَّ البَيْعُ، وإن تَساويا فى غيرِها، وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ، وجُمْهورِ أهْلِ العِلْمِ، لا نَعْلَمُ أحدًا خالَفَهُم إلَّا مالكًا، قال: يَجُوزُ بَيْعُ المَوْزُوناتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جُزَافًا. ولنا، قولُ النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، والبُرُّ بالبُرِّ كَيْلًا بِكَيْلٍ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ". رَوَاهُ الأَثْرَمُ (١) فى حَدِيثِ عُبَادَةَ، ورواه أبو دَاوُدَ (٢)، ولَفْظُه: "البُرُّ بالبُرِّ مُدْىٌ (٣)


(٩) سورة البقرة ٢٧٥.
(١٠) فى م: "فيعفى".
(١) وأخرجه البيهقى، فى: باب اعتبار التماثل فيما كان موزونا على عهد النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. . .، كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٢٩١.
(٢) فى: باب الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٣.
كما أخرجه النسائى، فى: باب بيع الشعير بالشعير، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٤٢، ٢٤٣.
(٣) المدى؛ بضم الميم وسكون الدال: مكيال يسع تسعة عشر صاعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>