للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَلَكَها. وذَكَرَ القاضي، وأبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، رِوَايةً أخرى، أنَّه لا يَمْلِكُها. ولعلَّها الرِّوَايةُ التي مَنَعَ من الْتِقَاطِها فيها. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هِىَ لَكَ أو لأَخِيكَ". فأضَافَها إليه بلَامِ التَّملُّكِ (١٢)، ولأنَّها يُبَاحُ (١٣) الْتِقَاطُها، فمُلِكَتْ بالتَّعْرِيفِ، كالأَثْمانِ، ولأنَّ ذلك إجْمَاعٌ، حكاه ابنُ عبد البَرِّ.

فصل: ويَتَخَيَّرُ مُلْتَقِطُها بين ثَلَاثةِ أشْياء؛ أكْلُها في الحالِ. وبهذا قال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وغيرُهم. قال ابنُ عبد البَرِّ: أجْمَعُوا على أنَّ ضَالّةَ الغَنَمِ، في المَوْضِعِ (١٤) المَخُوفِ عليها، له أكْلُها. والأصْلُ في ذلك قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هِىَ لك أو لِأَخِيكَ أو لِلذِّئْبِ". فجَعَلَها له في الحالِ، وسَوَّى بينه وبين الذِّئْبِ، والذِّئْبُ لا يَسْتَأْنِى (١٥) بأَكْلِها، ولأنَّ في أكْلِها في الحالِ إغْنَاءً عن الإِنْفاقِ عليها، وحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِها على صَاحِبِها إذا جاءَ، فإنَّه يَأْخُذُ قِيمَتَها بِكَمَالِها من غيرِ نَقْصٍ، وفى إِبْقائِها تَضْيِيعٌ للمالِ بالإِنْفاقِ عليها، والغَرَامَةِ في عَلفِها، فكان أكْلُها أَوْلَى. ومتى أرَادَ أكْلَها حَفِظَ صِفَتَها، فمتى جاءَ صاحِبُها غَرِمَها له، في قولِ عامّةِ أهْلِ العِلْمِ، إلَّا مالِكًا، فإنَّه قال: كُلْها، ولا غُرْمَ عليك لِصَاحِبِها ولا تَعْرِيفَ؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هِىَ لَكَ". ولم يُوجِبْ فيها تَعْرِيفًا ولا غُرْمًا، وسَوَّى بينه وبين الذِّئْبِ، والذِّئْبُ لا يُعَرِّفُ ولا يَغْرَمُ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لم يُوافِقْ مالِكًا أحدٌ من العُلَماءِ على قولِه. وقولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَدِيثِ عبدِ اللَّه بن عَمْرٍو: "رُدَّ عَلَى أخِيكَ ضَالَّتَه" (١٦). دَلِيلٌ على أن الشّاةَ على مِلْكِ صَاحِبِها، ولأنَّها لُقَطَةٌ لها قِيمَةٌ، وتَتْبَعُها النَّفْسُ، فتَجِبُ غَرامَتُها لِصَاحِبِها إذا جاءَ كغيرِها، ولأنَّها مِلْكٌ لِصَاحِبِها، فلم يَجُزْ تَمَلُّكُها عليه بغيرِ عِوَضٍ من غيرِ رِضَاه، كما لو كانت بين البُنْيانِ، ولأنَّها عَيْنٌ يَجِبُ رَدُّها مع بَقَائِها، فوَجَبَ


(١٢) في م: "التمليك".
(١٣) في الأصل: "مباح".
(١٤) في م: "المواضع".
(١٥) في الأصل: "يتأتى". ولعلها: "يتأنى".
(١٦) أخرجه الطحاوي. شرح معانى الآثار ٤/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>