للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غُرْمُها إذا أتْلَفَها، كلُقَطَةِ الذَّهَبِ. وقولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هِىَ لَكَ". لا يَمْنَعُ وُجُوبَ غَرَامَتِها، فإنَّه قد أَذِنَ في لُقَطَةِ الذَّهَبِ والوَرِقِ بعدَ تَعْرِيفِها، في أكْلِها وإنْفاقِها، وقال: "هِىَ كسَائِر مالِكَ" (١٧). ثم أجْمَعْنا على وُجُوبِ غَرَامَتِها، كذلك الشَّاةُ، ولا فَرْقَ في إبَاحةِ أكْلِها بين وِجْدانِها في الصَّحْرَاءِ أو في المِصْرِ. وقال مالِكٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الشافِعِيِّ، وابنُ المُنْذِرِ: ليس له أكْلُها في المِصْرِ؛ لأنَّه يُمْكِنُ بَيْعُها، بخِلَافِ الصَّحْراءِ. ولَنا، أنَّ ما جازَ أكْلُه في الصَّحْراءِ، أُبِيحَ في المِصْرِ، كسَائِر المَأْكُولاتِ، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هِىَ لَكَ". ولم يُفَرِّقْ، ولأنَّ أكْلَها مُعَلَّلٌ بما ذَكَرْنا من الاسْتِغْناءِ عن الإِنْفَاقِ عليها، وهذا (١٨) في المِصْرِ أشَدُّ منه في الصَّحْراءِ. الثاني، أن يُمْسِكَها على صَاحِبِها، ويُنْفِقَ عليها من مالِه، ولا يتَملَّكها. وإن أحَبَّ أن يُنْفِقَ عليها مُحْتَسِبًا بالنَّفَقةِ على مالِكِها، وأشْهَدَ على ذلك، فهل له أن يَرْجِعَ بالنَّفَقةِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُما، يَرْجِعُ به. نَصَّ عليه، في رِوَايةِ المُّروذِيِّ، في طِيَرَةٍ أفْرَخَتْ عند قَوْمٍ، فَقَضَى أن الفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطيَرَةِ، ويَرْجِعُ بالعَلَفِ إذا لم يكُنْ مُتَطَوِّعًا. وقَضَى عمرُ بن عبد العزيزِ في مَن وَجَدَ ضَالّةً، فأنْفَقَ عليها، وجاءَ رَبُّها، بأنَّه يَغْرَمُ له ما أنْفَقَ؛ وذلك لأنَّه أنْفَقَ على اللُّقَطَةِ لحِفْظِها، فكان من مالِ صاحِبِها، كمُؤْنَةِ الرُّطَبِ والعِنَبِ. والرَّوَايةُ الثانية، لا يَرْجِعُ بشيءٍ. وهو قولُ الشَّعْبِيِّ، والشافِعِيِّ. ولم يُعْجِبِ الشَّعْبِيِّ قَضاءُ عمرَ بن عبد العزيزِ؛ لأنَّه أنْفَقَ على مالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلم يَرْجِعْ به (١٩)، كما لو بَنَى دَارَه، ويُفَارِقُ العِنَبَ والرُّطَبَ، فإنَّه ربَّما كان تَجْفِيفُه والإِنْفَاقُ عليه في ذلك أحَظَّ لِصَاحِبِه؛ لأنَّ النَّفَقَةَ لا تَتَكَرَّرُ، والحَيَوانُ يَتَكَرَّرُ الإِنْفَاقُ عليه، فربَّما اسْتَغْرَقَ قِيمَتَه، فكان بَيْعُه أو أكْلُه أحَظَّ، فلذلك لم يَحْتَسِب المُنْفِقُ عليها بما أنفَقَ. الثالث، أن يَبِيعَها ويَحْفَظَ ثَمَنَها لِصَاحِبِها، وله


(١٧) تقدم في صفحة ٢٩٠.
(١٨) سقط من: الأصل.
(١٩) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>