للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الفِتْنة: "اجْلِسْ في بَيْتِكَ فَإِنْ خِفْتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَغَطِّ وَجْهَكَ" (١٣). وفى لفظٍ: "فَكُنْ عَبْدَ اللهِ المُقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّه القَاتِلَ" (١٤). ولأنَّ عثمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، تركَ القتالَ مع إمْكانِه مَنْعَ (١٥) إرادتِهم نفسَه. فإن قِيلَ: فقد قُلْتُم في المُضْطَرِّ: إذا وجَدَ ما يَدْفعُ به الضَّرورةَ، لَزِمَه الأَكْلُ منه، في أحَدِ الوَجْهَيْن، فلِمَ لَمْ تَقُولوا ذلك ههُنا؟ قُلْنا: لأنَّ الأكلَ يُحْيى به نفسَه، من غيرِ تَفْويتِ نفسِ (١٦) غيرِه، وههُنا في إحْياءِ نفسِه فواتُ نَفْسِ غيرِه، فلم يجِبْ عليه، فأمَّا إن أمْكَنَه الهربُ، فهل يَلْزَمُه؟ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَلْزَمُه؛ لأنَّه أمْكَنَه الدَّفْعُ عن نفسِه، من غيرِ ضَرَرٍ يلحقُ غيرَه، فلَزِمَه، كالأكْلِ في المَخْمَصَةِ. والثانى، لا يلزَمُه؛ لأنَّه دَفْعٌ عن نفسِه، فلم يَلْزَمْه، كالدَّفْعِ بالقتالِ.

فصل: وإذا صالَ على إنْسانٍ صائِلٌ، يريدُ مالَه أو نفسَه ظُلْمًا، أو يريدُ امرأةً لِيَزْنِىَ بها، فلغيرِ المَصُولِ عليه مَعونَتُه في الدَّفْعِ. ولو عَرَضَ اللُّصوصُ لقافِلَةٍ، جازَ لغيرِ أهلِ القافِلَةِ الدَّفْعُ عنهم؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أوْ مَظْلُومًا" (١٧). وفى حديثِ: "إنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الفُتَّانِ" (١٨). ولأنَّه لولا التَّعاونُ لَذهَبتْ أموالُ النَّاسِ وأنْفُسُهم؛ لأنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إذا انْفَرَدُوا بأخْذِ مالِ إنسانٍ لم يُعِنْه غيرُه،


(١٣) أخرجه أبو داود، في: باب في النهى عن السعى في الفتنة، من كتاب الفتن والملاحم. سنن أبي داود ٢/ ٤١٧. وابن ماجه، في: باب التثبت في الفتنة، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه ٢/ ١٣٠٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٦٣.
(١٤) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ١١٠، ٢٩٢.
(١٥) في ب، م: "مع".
(١٦) سقط من: الأصل، ب.
(١٧) أخرجه البخاري، في: باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما، من كتاب المظالم، وفى: باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه، من كتاب الإِكراه. صحيح البخاري ٣/ ١٦٨، ٩/ ٢٨، ٢٩. والترمذي، في: باب حدثنا محمد بن حاتم. . ., من أبواب الفتن. عارضة الأحوذى ٩/ ١١٢، ١١٣. والدارمى، في: باب انصر أخاك. . ., من كتاب الرقاق. سنن الدارمي ٢/ ٣١١. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٩٩، ٢٠١.
(١٨) في الأصل: "القتال". والفتان: جماعة الفاتن. والحديث أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الخراج والفىء والإِمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>