للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّعِيفُ في عَقْلِه، فإن مَنَعَ ذلك رُشْدَه في مالِه، فهو كالسَّفِيه، وإلَّا فهو كالعاقِلِ.

فصل: وتَصِحُّ وَصِيَّةُ الأَخْرَسِ إذا فُهِمَتْ إشارتُه (٧)؛ لأنَّها أُقِيمَتْ مُقَامَ نُطْقِه في طَلَاقِه ولِعَانِه وغيرِهما، فإن لم تُفْهَمْ إشارَتُه، فلا حُكْمَ لها. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشافِعِيِّ، وغيرِهما. فأمَّا النَّاطِقُ إذا اعْتُقِلَ لِسَانُه، فعُرِضَتْ عليه وَصِيَّتُه، فأشَارَ بها، وفُهِمَتْ إشَارَتُه، لم تَصِحَّ وَصِيّتُه. ذَكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وبه قال الثَّوْرِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافِعِيُّ، وابنُ المُنْذِرِ: تَصِحُّ وَصِيَّتُه؛ لأنَّه غيرُ قادِرٍ على الكَلَامِ، أشْبَهَ الأَخْرَسَ. واحْتَجَّ ابنُ المُنْذِرِ بأنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى وهو قاعِدٌ، فأشَارَ إليهم، فقَعَدُوا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٨). وخَرَّجَهُ ابنُ عَقِيلٍ وَجْهًا إذا اتَّصَلَ بِاعْتِقالِ لِسَانِه المَوْتُ. ولَنا، أنَّه غيرُ مَأْيُوسٍ من نُطْقِه، فلم تَصِحَّ وَصِيَّتُه بإشَارَتِه، كالقادِرِ على الكلَامِ. والخَبَرُ لا يُلْزِمُ؛ فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قادِرًا على الكَلَامِ، ولا خِلَافَ في أنَّ إشَارةَ القادِرِ لا تَصِحُّ بها وَصِيّةٌ ولا إقْرَارٌ، ففَارَقَ الأخْرَسَ، لأنَّه مَأْيُوسٌ من نُطْقِه.

فصل: وإن وَصَّى عَبْدٌ أو مُكَاتَبٌ أو مُدَبَّرٌ أو أُمُّ وَلَدٍ وَصِيَّةً، ثم ماتُوا على الرِّقِّ، فلا وَصِيَّةَ لهم؛ لأنَّه لا مالَ لهم. وإن عَتَقُوا (٩) ثم ماتُوا ولم يُغَيِّرُوا وَصِيَّتَهُمْ، صَحَّتْ؛ لأنَّ لهم قولًا صَحِيحًا وأهْلِيّةً تامّةً، وإنَّما فارَقُوا الحُرَّ بأنَّهم لا مالَ لهم، والوَصِيَّةُ تَصِحُّ مع عَدَمِ المالِ، كما لو وَصَّى الفَقِيرُ الذي لا شىءَ له، ثم اسْتَغْنَى. وإن قال أحَدُهُم: متى


(٧) في الأصل: "إشاراته".
(٨) في: باب إنما جعل الإِمام ليؤتم به. . ., من كتاب الأذان، وفي: باب صلاة القاعد، من كتاب التقصير، وفي: باب الإشارة في الصلاة، من كتاب السهو، وفي: باب إذا عاد مريضا فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة، من كتاب المرضى. صحيح البخاري ١/ ١٧٦، ١٧٧، ٢/ ٥٨، ٥٩، ٨٨، ٨٩، ٧/ ١٥٢.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الإِمام يصلى من قعود، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٤٢. وابن ماجه، في: باب ما جاء إنما جعل الإِمام ليؤتم به، من كتاب الإقامة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٩٢. والإِمام مالك، في: باب صلاة الإِمام وهو جالس، من كتاب صلاة الجماعة. الموطأ ١/ ١٣٥.
(٩) في م: "أعتقوهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>