للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الثِّقَاتَ الحُفَّاظَ حَدَّثُوا الحَدِيثَ، فقالوا: أعْتَقَ جارِيَةً. والإِسْنادُ واحِدٌ، قاله أبو بكرٍ. ولا يَلْزَمُ من الصِّحَّةِ فى العَتْقِ الصِّحَّةُ فى البَيْعِ؛ لأنَّ العِتْقَ لا تَمْنَعُه الجَهالَةُ ولا العَجْزُ عن التَّسْلِيمِ، ولا يُعتَبَرُ فيه شُرُوطُ البَيْعِ.

فصل: وإن باعَ جارِيَةً حَامِلًا بِحُرٍّ. فقال القاضى: لا يَصِحُّ. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه لا يَدْخُلُ فى البَيْعِ، فكأنه مُسْتَثْنًى. والأولَى صِحَّتُه؛ لأنَّ المَبِيعَ مَعْلُومٌ، وجَهَالَةُ الحَمْلِ لا تَضُرُّ من حيث إنَّه ليس بمَبِيعٍ ولا مُسْتَثْنًى بِاللَّفْظِ، وقد يُسْتَثْنَى بالشَّرْعِ ما لا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُه باللَّفْظِ، كما لو باعَ أمَةً مُزَوَّجَةً صَحَّ، وَوَقَعَتْ مَنْفَعَةُ البُضْعِ مُسْتَثْنَاةً بالشَّرْعِ. ولو اسْتَثْناها باللَّفْظِ لم يَجُزْ. ولو بَاعَ أَرضًا فيها زَرْعٌ للبائِعِ، أو نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً، لَوقَعَتْ مَنْفَعَتُها مُسْتَثْناةً مُدَّةَ بَقَاء الزَّرْعِ والثَّمَرَةِ، ولو اسْتَثْناها بقَوْلِه، لم يَجُزْ.

فصل: ولو باعَ دَارًا إلَّا ذِرَاعًا، وهما يَعْلَمانِ ذُرْعَانَ الدَّارِ، جازَ، وكان مُسْتَثْنِيًا جُزْءًا مُشاعًا منها، لأنَّه جُزْءٌ مَعْلُومٌ يَصِحُّ إفْرادُه بالبَيْعِ، فجازَ اسْتِثْنَاؤُه، كثُلُثِها ورُبْعِهَا، وإن لم يَعْلَما، لم يَجُزْ؛ لأَنَّه مَجْهُولٌ لا يجوزُ إفْرادُه بالبَيْعِ، ولأنَّه اسْتَثْنَى مَعْلُومَ المِقْدارِ من مَبِيعٍ مَعْلُومٍ بالمُشاهَدَةِ، فلم يَجُزْ كاسْتِثْناءِ الصَّاعِ من ثَمَرَةِ الحائِطِ، والقَفِيزِ من الصُّبْرَةِ. وهكذا الحُكْمُ إذا بَاعَهُ ضَيْعَةً إلَّا جَرِيبًا (١٥)، فمتى عَلِمَ جُرْبَانَ الضَّيْعَةِ صَحَّ، وإلَّا فلا.

فصل: وإذا باعَ سِمْسِمًا واسْتَثْنَى الكُسْبَ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه قد باعَهُ الشَّيْرَجَ فى الحَقِيقَةِ. وهو غيرُ مَعْلُومٍ، فإنَّه غيرُ مُعَيَّنٍ ولا مَوْصُوفٍ، ولأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن الثُّنْيَا إلّا أن تُعْلَمَ (١٦). وكذا لو باعَهُ قُطْنًا واسْتَثْنَى الحَبَّ، لم يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ ذلك، ولأنَّ المُسْتَثْنَى غيرُ مَعْلُومٍ. ولو باعَهُ السِّمْسِمَ واسْتَثْنَى الشَّيْرَجَ، لم يَجُزْ لذلك (١٧).


(١٥) الجريب: المزرعة.
(١٦) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٣١.
(١٧) فى م: "كذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>