للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظِّئْرِ. وأجازَه الحَسَنُ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، ومُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبّاسٍ، أنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أنْ يُبَاعَ صُوفٌ على ظَهْرٍ، أو لَبَنٌ فى ضَرْعٍ، رَواه الخَلَّالُ (١٠). ولأنَّه مَجْهُولُ الصِّفَةِ والمِقْدارِ، فأشْبَهَ الحَمْلَ؛ لأنَّه بَيْعُ عَيْنٍ لم تُخْلَقْ، فلم يَجُزْ، كبَيْعِ ما تَحْمِلُ النَّاقَةُ، والعادَةُ فى ذلك تَخْتَلِفُ. وأمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فإنَّما جازَ لِلْحَضانَةِ؛ لأنَّه مَوْضِعُ حاجَةٍ.

فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ فى بيعِ الصُّوفِ على الظَّهْرِ؛ فَرُوِىَ أنَّه لا يَجُوزُ بَيْعُه؛ لما ذَكَرْنا من الحَدِيثِ، ولأنَّه مُتَّصلٌ بالحَيوانِ، فلم يَجُزْ إفْرادُه بالعَقْدِ، كأعْضائِه. ورُوِى عنه، أنَّه يجوزُ بِشَرْطِ جزِّهِ فى الحالِ؛ لأنَّه مَعْلُومٌ يُمكنُ تَسْلِيمُه، فجازَ بَيْعُه، كالرَّطْبَةِ. وفارَقَ الأعْضاءَ، فإنّه لا يُمْكِنُ تَسْلِيمُها مع سَلامَةِ الحَيَوانِ. والخِلافُ فيه كالخِلافِ فى اللَّبَنِ فى الضَّرْعِ، فإن اشْتَرَاه بِشَرْطِ القَطْعِ، فتَرَكَه حتَّى طالَ، فحُكْمُه حُكْمُ الرّطْبَةِ إذا اشْتَراها، فتَرَكَها حتَّى طالَتْ.

فصل: ولا يَجُوزُ بَيْعُ ما تُجْهَلُ صِفَتُه، كالمِسْكِ فى الفَأْرِ، وهو الوِعاءُ الذى يكون فيه. قال الشَّاعِرُ:

إذا التَّاجِرُ الهِنْدِىُّ جَاءَ بِفَأْرَةٍ ... مِنَ المِسْكِ رَاحَتْ فى مَفَارِقِهِمْ تَجْرِى

فإنَّ فَتَحَ وشاهَدَ ما فيه، جازَ بَيْعُه، وإن لم يُشاهِدْه، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لِلْجَهالَةِ. وقد قال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ: يجوزُ؛ لأنَّ بَقاءَه فى فَأْرِه مَصْلَحَةٌ له، فإنَّه يَحْفَظُ رُطُوبَتَه وذَكاءَ رائِحَتِه، فأشْبَه ما مَأْكُولُه فى جَوْفِه. ولنا، أنَّه يَبْقَى خارِجَ وِعائِه من غيرِ ضَرَرٍ (١١). وتَبْقَى رَائِحَتُه، فلم يَجُزْ بَيْعُه مَسْتورًا، كالدُّرِّ فى الصَّدَفِ. وأمَّا


(١٠) والبيهقى، فى: باب ما جاء فى النهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم. . .، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٣٤٠. وابن أبي شيبة، فى: باب بيع اللبن فى الضروع، من كتاب البيوع. المصنِّف ٦/ ٥٣٣.
(١١) فى الأصل: "ضرورة".

<<  <  ج: ص:  >  >>