للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِوَضًا (٦) أَنْقَصَ منه، ولا تَرْبَحْ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ في "سُنَنِه". ولنا، قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أسْلَمَ في شَىْءٍ، فَلَا يَصْرِفْه إلَى غَيْرِهِ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَه (٧). ولأنَّ أَخْذَ العِوَضِ عن المُسْلَمِ فيه بَيْعٌ، فلم يَجُزْ، كبَيْعِه مِن غيرِه. فأمَّا إنْ أعْطَاهُ من جِنْسِ ما أسْلَمَ فيه خَيْرًا منه، أو دُونَه في الصِّفَاتِ، جَازَ؛ لأنَّ ذلك ليس بِبَيْعٍ، إنَّما هو قَضَاءٌ لِلْحَقِّ، مع تَفَضُّلٍ من أحَدِهما.

فصل: فأمَّا الإِقَالَةُ في المُسْلَمِ فيه، فجَائِزَةٌ، لأنَّها فَسْخٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ الإِقَالَةَ في جَمِيعِ ما أسْلَمَ فيه جَائِزَةٌ؛ لأنَّ الإِقَالَةَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، ورَفْعٌ له من أصْلِه، وليستْ بَيْعًا. قال القاضي: ولو قال: لي عِنْدَكَ هذا الطَّعَامُ، صَالِحْنِى منه على ثَمَنِه. جَازَ، وكانت إقَالَةً صَحِيحَةً. فأمَّا الإِقَالَةُ في بعضِ المُسْلَمِ فيه، فاخْتَلَفَ (٨) عن أحمدَ فيها؛ فَرُوِىَ عنه أنَّها لا تجوزُ. وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُها عن ابنِ عمرَ، وسَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، والحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعِيِّ، وسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، ورَبِيعَةَ، وابنِ أبى لَيْلَى، وإسحاقَ. ورَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ. أنَّه قال: لا بَأسَ بها. وَرُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ، وعَطاءٍ، وطَاوُسٍ، ومحمدِ بن عليٍّ، وحُمَيْدِ بن عبد الرَّحْمَنِ، وعَمْرِو بن دِينَارٍ، والحَكَمِ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِيِّ، والنُّعْمانِ وأصْحَابِه، وابنِ المُنْذِرِ. ولأنَّ الإِقَالَةَ مَنْدُوبٌ إليها، وكل مَعْرُوفٍ جَازَ في الجَمِيعِ جَازَ في البَعْضِ، كالإِبْرَاءِ والإِنْظَارِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى، أنَّ السَّلَفَ في الغَالِبِ يُزَادُ فيه في الثَّمَنِ من أجْلِ التَّأْجِيلِ، فإذا أقَالَهُ في البَعْضِ، بَقِىَ البَعْضُ بالبَاقِى من الثَّمَنِ وبِمَنْفَعَةِ الجُزْءِ الذي حَصَلَتِ الإِقَالَةُ فيه، فلم يَجُزْ، كما لو اشْتَرَطَ (٩) ذلك في ابْتِدَاءِ العَقْدِ. ويُخَرَّجُ عليه الإِبْرَاءُ


(٦) في الأصل، أ: "عرضا". تحريف.
(٧) أخرجه أبو داود، في: باب السلف لا يحول، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٤٧. وابن ماجه، في: باب من أسلم في شىء فلا يصرفه إلى غيره، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٦٦.
(٨) أي النقل.
(٩) في الأصل: "شرط".

<<  <  ج: ص:  >  >>