للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَ القَبْضِ، فلم يَجُزْ، كما لو كانت بِلَفْظِ البَيْعِ. ولأنَّهما نَوْعَا بَيْعٍ، فلم يَجُوزَا في المُسْلَمِ قبلَ قَبْضِه، كالنَّوْعِ الآخَرِ، والخَبَرُ لا نَعْرِفُهُ، وهو حُجَّةٌ لنا؛ لأنَّه نَهَى عن بَيْعِ الطَّعَامِ قبلَ قَبْضِه، والشَّرِكَةُ والتَّوْلِيَةُ بَيْعٌ، فيَدْخُلَانِ في النَّهْىِ. ويُحْمَلُ قولُه: وأَرْخَصَ في الشَّرِكَةِ والتَّوْلِيَةِ، على أنَّه أَرْخَصَ فيهما في الجُمْلَةِ، لا في هذا المَوْضِعِ. وأمَّا الإِقَالَةُ فإنَّها فَسْخٌ، ولَيْسَتْ بَيْعًا. وأمَّا الحَوَالَةُ به فغيرُ جَائِزةٍ (٣)، لأنَّ الْحَوَالَةَ إنَّما تجوزُ على دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، والسَّلَمُ بعَرَضِ الفَسْخِ، فليس بمُسْتَقِرٍّ. ولأنَّه نَقْلٌ لِلْمِلْكِ في المُسْلَمِ فيه على غير وَجْهِ الفَسْخِ، فلم يَجُزْ كالبَيْعِ. ومعنى الحوَالَةِ به، أن يكونَ لِرَجُلٍ طَعَامٌ من سَلَمٍ، وعليه مثلُه من قَرْضٍ أو سَلَمٍ آخَرَ أو بَيْعٍ، فيُحِيلُ بما عليه من الطَّعَامِ على الذي له عنده السَّلَمُ، فلا يجوزُ. وإن أحَالَ المُسْلَمُ إلَيه المُسْلِمَ بالطَّعَامِ الذي عليْه لم يَصِحَّ أيضًا؛ لأنَّه مُعَاوَضَةٌ بالمُسْلَمِ فيه قبلَ قَبْضِه، فلم يَجُزْ، كالبَيْعِ. وأمَّا بَيْعُ المُسْلَمِ فيه من بَائِعِه، فهو أن يَأْخُذَ غيرَ ما أَسْلَمَ فيه عِوَضًا عن المُسْلَمِ فيه. فهذا حَرَامٌ، سواءٌ كان المُسْلَمُ فيه مَوْجُودًا أو مَعْدُومًا، سواءٌ كان الْعِوَضُ (٤) مثلَ المُسْلَمِ فيه في القِيمَةِ، أو أقَلَّ، أو أكْثَرَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِيُّ. وذَكَرَ ابنُ أبي موسى، عن أحمدَ، رِوَايَةً أخرى في مَن أسْلَمَ في بُرٍّ, فعَدِمَهُ عند المَحلِّ، فرَضِىَ المُسْلِمُ بِأَخْذِ الشَّعِيرِ مَكَانَ البُرِّ، جازَ. ولم يَجُزْ أكْثَرُ من ذلك. وهذا يُحْمَلُ على الرِّوَايَةِ التي فيها أن البُرَّ والشَّعِيرَ جِنْسٌ واحِدٌ، والصَّحِيحُ في المَذْهَبِ خِلَافُه. وقال مالِكٌ: يجوزُ أن يَأْخُذَ غيرَ المُسْلَمِ فيه مَكَانَه، يَتَعَجَّلُه ولا يُؤَخِّرُهُ إلّا (٥) الطَّعَام. قال ابن المُنْذِرِ: وقد ثَبَتَ أن ابنَ عَبَّاسٍ قال: إذا أسْلَمَ في شيءٍ إلى أجَلٍ فإن أخَذْتَ ما أَسْلَفْتَ فيه، وإلَّا فَخُذْ


(٣) في م: "جائز".
(٤) في م: "العرض". تحريف.
(٥) في النسخ: "إلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>