للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمْتُ هذا، وأنا أتَصَرَّفُ عنه. ثَبَتَتِ الوَكَالَةُ؛ لأنَّ مَعْنَى ذلك (٦٢) أَنِّى لم أعْلَمْ إلى الآن، وقَبُولُ الوَكَالَةِ يجوزُ مُتَرَاخِيًا، وليس من شَرْطِ التَّوْكِيلِ حُضُورُ الوَكِيلِ ولا عِلْمه، فلا يَضُرُّ جَهْلُه به. وإن قال: ما أعْلَمُ صِدْقَ الشّاهِدَيْنِ. لم تَثْبُتْ وَكَالَتُه؛ لِقَدْحِه في شَهادَتِهِما. وإن قال: ما عَلِمْتُ. وسَكَتَ، قيل له: فسِّرْ. فإن فَسَّرَ بالأَوَّلِ ثَبَتَتْ وَكَالَتُه، وإن فَسَّرَهُ بالثانى لم تَثْبُتْ.

فصل: ويَصِحُّ سَمَاعُ البَيِّنَةِ بالوَكَالَةِ على الغائِبِ، وهو أن يَدَّعِىَ أن فُلَانًا الغائِبَ وَكَّلَنِى في كذا. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ. بنَاءً على أن الحُكْمَ على الغائِبِ لا يَصِحُّ. ولَنا، أنَّه لا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ في سَمَاعِ البَيِّنَةِ، فلا يُعْتَبَرُ حُضُورُه كغيرِه. وإذا قال له مَن عليه الحَقُّ: احْلِفْ أنَّك تَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتِى. لم تُسْمَعْ دَعْوَاه؛ لأنَّ ذلك طَعْنٌ في الشّهَادَةِ. وإن قال: قد عَزَلَكَ المُوَكِّلُ، فاحْلِفْ أنَّه ما عَزَلَكَ. لم يُسْتَحْلَفْ؛ لأنَّ الدَّعْوَى على المُوَكِّلِ، واليَمِينُ لا تَدْخُلُها النِّيَابَةُ. وإن قال: أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ مُوَكِّلَكَ قد عَزَلَكَ. سُمِعَتْ دَعْوَاهُ. وإن طَلَبَ اليَمِينَ من الوَكِيلِ، حَلَفَ أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّ مُوَكِّلَه عَزَلَهُ؛ لأنَّ الدَّعْوىَ عليه. وإن أقامَ الخَصْمُ بَيِّنَةً بالعَزْلِ، سُمِعَتْ، وانْعَزَلَ الوَكِيلُ.

فصل: وتُقْبَلُ شَهادَةُ الوَكِيلِ على مُوَكِّلِه؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، فإنَّه (٦٣) لا يَجُرُّ بها نَفْعًا، ولا يَدْفَعُ بها ضَرَرًا. وتُقْبَلُ شَهَادَتُه له فيما لم يُوَكِّلْهُ فيه؛ لأنَّه لا يَجُرُّ إلى نَفْسِه نَفْعًا. ولا تُقْبَلُ شَهادَتُه له فيما هو وَكِيلٌ فيه؛ لأنَّه يُثْبِتُ لِنَفْسِه حَقًّا، بِدَلِيلِ أنَّه إذا وَكَّلَهُ في قَبْضِ حَقٍّ، فشَهِدَ به له، ثَبَتَ اسْتِحْقاقُ قَبْضِه، ولأنَّه خَصْمٌ فيه، بِدَلِيلِ أنَّه يَمْلِكُ المُخَاصَمَةَ فيه. فإن شَهِدَ بما كان وَكِيلًا فيه بعد عَزْلِه، لم تُقْبَلْ أيضًا، سواءٌ كان خاصَمَ فيه بالوَكَالَةِ أو لم يُخَاصِمْ. وبهذا قال أبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان لم يُخَاصِمْ فيه، قُبِلَتْ شَهادَتُه؛ لأنَّه لا حَقَّ له فيه، ولم يُخَاصِمْ فيه، فأشْبَهَ ما لو (٦٤) لم يكنْ وَكِيلًا فيه. وللشّافِعِىِّ قَوْلانِ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّه بِعَقْدِ الوَكَالَةِ صارَ


(٦٢) في ب: "الكلام".
(٦٣) في ب: "فإنها".
(٦٤) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>