للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالٍ (٣٣) لِتَحْصِيلِ مَنْفَعةٍ مُبَاحةٍ تَدْعُو الحاجةُ إليها، فجازَ، كشِرَاءِ الأسِيرِ، ورِشْوَةِ الظّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَه. وإن أطْرَقَ إنْسانٌ فَحْلَه بغيرِ إجَارَةٍ ولا شَرْطٍ، فأُهْدِيَتْ له هَدِيَّةٌ، أو أُكْرِمَ بِكَرَامةٍ لذلك، فلا بَأْسَ به؛ لأنَّه فَعَلَ مَعْرُوفا، فجازَتْ مُجازَاتُه عليه، كما لو أُهْدِىَ هَدِيّةً.

فصل: القسم الثاني، ما مَنْفَعَتُه مُحَرَّمةٌ، كالزِّنَى والزَّمْرِ والنَّوْحِ والغِنَاءِ، فلا يجوزُ الاسْتِئْجارُ (٣٤) لِفِعْلِه. وبه قال مالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأبو حنيفةَ، وصَاحِبَاه، وأبو ثَوْرٍ. وكَرِهَ ذلك الشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ، فلم يَجُز الاسْتِئْجارُ عليه، كإجَارَةِ أمَتِه لِلزِّنَى. ولا يجوزُ اسْتِئْجارُ كاتِبٍ لِيَكْتُبَ له غِنَاءً ونَوْحًا. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ. ولَنا، أنَّه انْتِفاعٌ بمُحَرَّمٍ، فأشْبَهَ ما ذَكَرْنا. ولا يجوزُ الاسْتِئْجارُ على كِتَابةِ شِعْرٍ محَرَّمٍ، ولا بِدْعَةٍ، ولا شيءٍ مُحَرَّمٍ؛ لذلك. ولا يجوزُ الاسْتِئْجارُ على حَمْلِ الخَمْرِ لمن يَشْرَبُها، ولا على حَمْلِ خِنْزِيرٍ ولا مَيْتةٍ؛ لذلك. وبهذا قال أبو يوسفَ، ومحمدٌ، والشافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ؛ لأنَّ العَمَلَ لا يَتَعَيَّنُ عليه، بِدَلِيلِ أنَّه لو حَمَلَه مِثْلُه جازَ، ولأنَّه لو قَصَدَ إرَاقَتَه أو طَرْحَ المَيْتةِ، جازَ. وقد رُوِى عن أحمدَ، في من حَمَلَ خِنْزِيرًا أو مَيْتَةً أو خَمْرًا لِنَصْرَانِيٍّ: أكْرَهُ أكلَ كِرَائِه، ولكنْ يُقْضَى لِلْحَمَّالِ بالكِرَاءِ، فإذا كان لِمُسْلِمٍ فهو أشَدُّ. قال القاضي: هذا مَحْمُولٌ على أنَّه اسْتَأْجَرَه لِيُرِيقَها، فأما لِلشُّرْبِ فمَحْظورٌ، ولا يَحِلُّ أخْذُ الأُجْرَةِ عليه. وهذا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ؛ لقولِه: أكْرَهُ أكْلَ كِرَائِه، وإذا كان لِمُسْلِمٍ فهو أشَدُّ. ولكنَّ المَذْهَبَ خِلَافُ هذه الرِّوَايةِ؛ لأنَّه اسْتِئْجارٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فلم يَصِحَّ، كالزِّنَى. ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَعَنَ حَامِلَها والمَحْمُولَةَ إليه (٣٥). وقوله: لا يَتَعَيَّنُ. يَبْطُلُ باسْتِئْجارِ أرْضٍ لِيَتَّخِذَها مَسْجِدًا. وأمَّا حَمْلُ هذه لإِرَاقَتِها، والمَيْتةِ لِطَرْحِها، والاسْتِئْجارِ لِلْكُنُفِ، فجائِزٌ؛ لأنَّ ذلك


(٣٣) سقط من: ب.
(٣٤) في ب زيادة: "عليه".
(٣٥) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>