للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعُودُ مَمْلُوكًا بِحُكْمِ المِلْكِ الأوَّلِ، فيَعُودُ حُكْمُ الرَّهْنِ أيضا؛ لأنَّه زَالَ بِزَوَالِ المِلْكِ، فيَعُودُ بِعَوْدِه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وقال مالِكٌ وأبو حنيفةَ: هو رَهْنٌ بحالِه؛ لأنه كانت له قِيمَةٌ حالَةَ كَوْنِهِ عَصِيرًا، ويَجوزُ أنَّ يَصِيرَ له قِيمَةٌ، فلا (٢٩) يَزُولَ المِلْكُ عنه، كما لو ارْتَدَّ الجانى، ولأنَّ اليَدَ لم تَزُلْ عنه حُكْمًا، ولهذا لو غَصَبَهُ غَاصِبٌ، فتَخَلَّلَ في يَدِه، كان مِلْكًا لِلمَغْصُوبِ منه، ولو زَالَتْ يَدُه، لَكان مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، كما لو أراقَهُ فجَمَعَه إنْسَانٌ، فتَخَلَّلَ في يَدِه، كان له، دون مَن أَراقَهُ. وهذا القولُ هو قولُنا الأَوَّلُ في المعْنَى، إلَّا أن يقُولُوا بِبَقَاءِ اللُّزُومِ فيه حالَ كَوْنِه خَمْرًا. ولم يَظْهَرْ لى فَائِدَةُ الخِلافِ بعدَ اتِّفَاقِهِما على عَوْدِه رَهْنًا بِاسْتِحَالَتِه خَلًّا، وأَرَى القَوْلَ بِبَقَائِه رَهْنًا أقْرَبَ إلى الصِّحَةِ؛ لأنَّ العَقْدَ لو بَطَلَ لما عَادَ صَحِيحًا من غيرِ ابْتِدَاءِ عَقْدٍ. فإن قالوا: يُمكِنُ عَوْدُه صَحِيحًا لِعَوْدِ المَعْنَى الذى بَطَلَ بِزَوَالِه، كما أنَّ زَوْجَةَ الكَافِرِ إذا أَسْلَمَتْ خَرَجَتْ من حُكْمِ العَقْدِ، لِاختِلَافِ دِينِهما، فإذا أسْلَمَ الزَّوْجُ في العِدَّةِ، عادَتِ الزَّوْجِيَّةُ بالعَقْدِ الأوَّلِ، لِزَوَالِ الاخْتِلَافِ في الدِّينِ. قُلْنا: هناك ما زَالَتِ الزَّوْجِيَّةُ، ولا بَطَلَ العَقْدُ، ولو بَطَلَ بِانْقِضَاءِ العِدَّةِ لَما عَادَ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وإنَّما العَقْدُ كان مَوْقُوفًا مُرَاعًى، فإذا أسْلَمَا في العِدَّةِ تَبَيَّنَّا أنَّه لم يَبْطُلْ، وإن لم يُسْلِمْ تَبَيَّنَّا أنَّه كان قد بَطَلَ، وهاهُنا قد جَزَمْتُمْ بِبُطْلَانِه.

فصل: وهل يَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرةِ قبلَ بُدُوِّ صَلَاحِها، مِن غير شَرْطِ القَطْعِ أو الزَّرْعِ الأخْضَرِ؟ فيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يجوزُ. وهو اخْتِيَارُ القاضي؛ لأنَّ الغَرَرَ يَقِلُّ فيه، فإنَّ الثَّمَرةَ متى تَلِفَتْ، عَادَ إلى حَقِّه في ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، ولأنَّه يجوزُ بَيْعُه، فجَازَ رَهْنُه، ومتى حَلَّ الحَقُّ بِيعَ، وإن اخْتَارَ المُرْتَهِنُ تَأْخِيرَ بَيْعِه، فله ذلك. والثانى، لا يَصِحُّ. وهو مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه لا يجوزُ بَيْعُه، فلا يَصِحُّ رَهْنُه، كسائِرِ ما لا يجوزُ بَيْعُه. وذَكَرَ القاضي أنَّه يجوزُ رَهْنُ المَبِيعِ الذي يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ،


(٢٩) في م زيادة: "يجوز أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>