للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه بَيْعٌ فى الحالِ، فجازَ ما تَراضَيا عليه إذا اخْتَلَفَ الجِنْسُ، كما لو كان العِوَضُ عَرْضًا. وَوَجْهُ الأَوَّلِ قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا بَأْسَ أن تَأْخُذَها بِسِعْرِ يَوْمِها". ورُوِىَ عن ابنِ عمرَ: أنَّ بَكْرَ بنَ عبدِ اللهِ المُزَنِىَّ، ومَسْرُوقًا العِجْلِىَّ، سَألاهُ عن كَرِيٍّ (١٤) لهما، له عليهما دراهمُ، وليس معهما إلَّا دنانيرُ؟ فقال ابنُ عمرَ: أعْطُوهُ بِسِعْرِ السُّوقِ. ولأنَّ هذا جَرَى مَجْرَى القَضَاءِ، فقُيِّدَ (١٥) بالمِثْلِ، كما لو قَضاهُ من الجِنْسِ، والتَّمَاثُلُ هاهُنا من حيثُ القيمَةُ؛ لِتَعَذُّرِ التَّماثُلِ من حيثُ الصُّورَةُ. قيل لأبى عبدِ اللهِ: فإنَّ أهْلَ السُّوقِ يَتَغابَنونَ بينهم بالدَّانَقِ فى الدِّينارِ وما أشبَهَهُ؟ فقال: إذا كان مِمَّا يَتَغابَنُ النَّاسُ به فسَهْلٌ فيه، ما لم يَكُنْ حِيلَةً، ويُزَاد شَيْئًا كَثِيرًا.

فصل: فإن كانَ المَقْضِىُّ الذى فى الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ فيه. وقال القاضى: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، المَنْعُ، وهو قولُ مالِكٍ، ومَشْهُورُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ ما فى الذِّمَّةِ لا يُسْتَحَقُّ قَبْضُه، فكان القَبْضُ ناجِزًا فى أحَدِهما، والنَّاجِزُ يأْخُذُ قِسْطًا من الثَّمَنِ. والآخرُ، الجوازُ، وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه ثابِتٌ فى الذِّمَّةِ بمَنْزِلَةِ المَقْبوضِ، فكأنَّه رَضِىَ بِتَعْجيلِ المُؤَجَّلِ. والصَّحيحُ الجَوازُ، إذا قَضاهُ بِسِعْرِ يَوْمِها، ولم يجعَلْ لِلْمَقْضِىِّ فَضْلًا لأجْلِ تَأْجيلِ ما فى الذِّمَّةِ؛ لأنَّه إذا لم ينْقُصْه عن سِعْرِها شَيْئًا، فقد رَضِىَ بِتَعْجيلِ ما فى الذِّمَّةِ بغيرِ عِوَضٍ، فأشْبَهَ ما لو قَضاهُ من جِنْسِ الدَّيْنِ، ولم يَسْتَفْصِلِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنَ عمرَ حين سَأَلَهُ، ولو افْتَرَقَ الحالُ لسَأَلَ واسْتَفْصَلَ.

فصل: قال أحمدُ: ولو كان لِرَجُلٍ علَى رَجُلٍ عَشرَةُ دراهمَ، فدَفَعَ إليه دينارًا، فقال: اسْتَوْفِ حَقَّكَ منه. فاسْتَوْفاهُ بعد يَوْمَيْنِ، جازَ. ولو كانَ عليه دنانيرُ، فوَكَّلَ غَريمَهُ فى بَيْعِ دارِه، واسْتيفاءِ حَقِّه من ثَمَنِها، فباعَها بِدراهمَ، لم يَجُزْ أن


(١٤) الكرى: الأجير.
(١٥) فى الأصل: "فتقيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>