للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جازَ، ولو حصَلَت الإِقامَةُ فى الجميعِ شهرًا. وإذا ماتَ بالحجازِ دُفِنَ به؛ لأنَّه يَشُقُّ نَقْلُه، وإذا جازَت الإِقامَةُ للمرِيضِ، فدَفْنُ المَيِّتِ أوْلَى.

فصل: فأمَّا الحَرَمُ، فليس لهم دُخولُه بحالٍ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفة: لهم دخولُه كالحجازِ كلِّه، ولا يَسْتَوْطِنُون به، ولهم دخولُ الكَعْبَةِ، والمَنْعُ (٥٣) من الاسْتِيطانِ لا يَمْنَعُ الدُّخولَ والتَّصَرُّفَ، كالحجازِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (٥٤). والمرادُ به الحَرَمُ، بدليلِ قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (٥٤) يُرِيدُ: ضَرَرًا بتأخِيرِ الجَلَبِ عن الحَرَمِ دُونَ المَسْجدِ. ويجوزُ تَسْمِيَةُ الحرمِ المسجدَ الحرامَ، بدليل قول اللَّه تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (٥٥). وإنَّما أُسْرِىَ به من بيتِ أمِّ هانِئٍ من خارِجِ المسجدِ. ويُخالِفُ الحجازَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى مَنَعَ منه (٥٦) مع إذْنِه فى الحجازِ، فإنَّ هذه الآيةَ نَزَلَت واليَهُودُ بخَيْبَرَ والمدينةِ وغيرِهما من الحجاز، ولم يُمْنَعُوا من الإِقامَةِ به، وأوَّلُ مَنْ اجْلاهُم عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه (٥٧). ولأنَّ الحرَمَ أشْرَفُ، لتَعلُّقِ النُّسُكِ به، ويَحْرُمُ (٥٨) صَيْدُه وشجَرُه والمُلْتَجِئُ إليه، فلا يُقاسُ غيرُه (٥٩) عليه. فإنْ أرادَ كافِرٌ الدُّخولَ إليه، مُنِع منه. فإنْ كانت معه مِيرَةٌ أو تجارَةٌ، خرَجَ إليه من يَشْتَرِى منه، ولم يُتْرَكْ هو يدخلُ. وإِنْ كان رسولًا إلى إمامٍ بالحرمِ، خَرجَ إليه مَنْ يسْمَعُ رسالَتَه، ويُبَلِّغُها إيَّاه. فإن قال: لا بُدَّ لى من لقاءِ الإِمامِ، وكانت المصْلحَةُ فى ذلك، خَرَجَ إليه الإِمامُ، ولم يَأْذَنْ له فى الدُّخولَ، فإنْ دخل الحرمَ عالِمًا بالمَنْعِ، عُزِّرَ، وإِنْ دَخَلَ جاهلًا، نُهِىَ وهُدِّدَ. فإنْ مرِضَ بالحَرمِ (٥٦) أو ماتَ، أُخْرِجَ ولم يُدْفَنْ به؛ لأنَّ حُرْمَةَ


(٥٣) فى الأصل: "وليس المنع".
(٥٤) سورة التوبة ٢٨.
(٥٥) سورة الإسراء ١.
(٥٦) سقط من: ب.
(٥٧) أخرجه الإمام مالك، فى: باب فى إجلاء اليهود من المدينة، من كتاب الجامع. الموطأ ٢/ ٨٩٣. والبيهقى، فى: باب لا يسكن أرض الحجاز مشرك، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ٢٠٨. وعبد الرزاق، فى: باب إجلاء اليهود من المدينة، من كتاب أهل الكتاب. المصنف ٦/ ٥٥، ٥٦.
(٥٨) فى أ، ب: "وتحريم".
(٥٩) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>