للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأشْبَهَ ما لو أشْهَدَ (٢٠) على نفسِه بقَبْضِ الثَّمَنِ أو المُسْلَمِ فيه، ثم ادَّعَى غَلَطًا فى كَيْلِه أو وَزْنِه. وقولُهم: إنَّ حقَّه مِن الزِّيادةِ سَقَطَ برِضاهُ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّه إنَّما يَسْقُطُ مع عِلْمِه، أمَّا إذا ظَنَّ أنَّه أُعْطِىَ حقَّه فرَضِىَ بِناءً على هذا، ثم بانَ له الغَلَطُ، فلا يَسْقُطُ به حَقُّه، كالثَّمنِ والمُسْلَمِ فيه، فإنَّه لو قَبَضَ المُسْلَمَ فيه بِناءً على أنَّه عَشرةُ مَكايِيلَ، راضِيًا بذلك، ثم ثَبَتَ أنَّه ثمانيةٌ، أو ادَّعَى المُسْلِمُ إليه أنَّه غَلِطَ، فأعْطاه اثْنَىْ عشرَ، وثبتَ ذلك ببَيِّنَةٍ، لم يَسْقُطْ حَقُّ واحدٍ منهما بالرِّضَى به (٢١)، ولا يَمْتَنِعُ (٢٢) سَماعُ دَعْواهُ وبَيِّنَتِه، ولأنَّ المُدَّعَى عليه فى مَسْألتِنا لو أقَرَّ بالغَلَطِ، لنُقِضَتِ القِسْمةُ، ولو سقَطَ حَقُّ المُدَّعِى بالرِّضَى، لَما نُقِضَتِ القِسْمةُ بإقْرارِه، كما لو وَهبَه الزَّائدَ، وقد ذكرَ أصحابُنا وغيرُهم فى مَن باعَ دارًا على أنَّها عَشرةُ أذْرُعٍ، فبانَتْ تِسعةً أو أحدَ عشرَ، أنَّ البَيْعَ باطلٌ فى أحدِ الوَجْهَينِ، وفى الآخَرِ، تكونُ الزِّيادةُ للبائعِ، والنَّقْصُ عليه. والبَيْعُ إنَّما يَلْزَمُ بالتَّراضِى، فلو كان التَّراضِى يُسْقِطُ حَقَّه مِن الزِّيادةِ، لَسَقَطَ حقُّ البائعِ من الزِّيادةِ، وحَقُّ المُشْترِى من النَّقْصِ. واللهُ أعلمُ. ولأنَّ مَن رَضِىَ بشىءٍ بناءً على ظنٍّ تَبَيَّنَ خِلافُه، لم يَسْقُطْ به حَقُّه، كما لو اقْتَسما شيئًا، وتَراضَيا به (٢٣)، ثم بانَ نَصِيبُ أحدِهما مُسْتَحَقًّا. فإن قيل: فلِمَ لا تُعْطِى المظْلومَ حقَّه فى هاتَيْن المسألتَيْن، ولا تَنْقُضُ القِسْمةَ، كما لو تبيَّنَ الغَلَطُ فى الثَّمنِ، أو المُسْلَم فيه. قُلْنا: لأنَّ الغَلطَ هاهُنا فى نفسِ القِسْمةِ، بتَفْويتِ شَرْطٍ من شُروطِها، وهو تَعْدِيلُ السِّهامِ، فتَبْطُلُ لفَواتِ شَرْطِها، وفى المُسْلَم (٢٤) والثَّمنِ الغَلَطُ فى القَبْضِ دونَ العَقْدِ، فإنَّ العقدَ قد تمَّ بشُروطِه، فلا يُؤثِّرُ الغَلَطُ فى قَبْضِ عِوَضِه فى صِحَّتِه، بخِلافِ مَسْألتِنا.

فصل: إذا اقْتسمَ (٢٥) الشَّريكان شيئًا، فبانَ بعضُه مُسْتحَقًّا؛ نظَرْتَ، فإن كان


(٢٠) فى ب، م: "شهد".
(٢١) سقط من: م.
(٢٢) فى م: "يمنع".
(٢٣) سقط من: ب.
(٢٤) فى ب: "السلم".
(٢٥) والأصل: "قسم".

<<  <  ج: ص:  >  >>