للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وَارِثِه. وكذلك لو اشْتَرَى جارِيَةً يَسْتَمتِعُ بها، كَثِيرَةَ الثمنِ، بِثَمَنِ مِثْلِها، أو اشترَى من الأَطْعِمةِ التي لا يَأْكُلُ مثلُه مِثْلَها (٦٠) جازَ، وصَحَّ شِرَاؤُه له (٦١)؛ لأنَّه صَرْفٌ لمالِه (٦٢) في حاجَتِه، وإن كان عليه دَيْنٌ، أو ماتَ وعليه دَيْنٌ، قُدِّمَ بذلك على وَارِثِه؛ لقولِ اللَّه تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٦٣).

فصل: فأمَّا إن قَضَى المَرِيضُ بعضَ غُرَمائِه، ووَفَتْ تَرِكَتُه بسائِرِ الدُّيُونِ، صَحَّ قَضَاؤُه، ولم يكُنْ لسائِرِ الغُرَماءِ الاعْتِراضُ عليه. وإن لم يَفِ بها، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، أنَّ لِسَائِر الغُرَماءِ الرُّجُوعَ عليه، ومُشَارَكَتَه فيما أخَذَه. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ حُقُوقَهُم تَعَلَّقَتْ بمالِه (٦١) بمَرَضِه، فمَنَعَتْ تَصَرُّفَه فيه بما يَنْقُصُ دُيُونَهُم، كتَبَرُّعِه، ولأنَّه لو وَصَّى بِقَضاءِ بعضِ دُيُونِه لم يَجُزْ، فكذلك إذا قَضَاهَا. والثاني، أنَّهم لا يَمْلِكُونَ الاعْتِرَاضَ عليه، ولا مُشَارَكَتَه. وهو قِيَاسُ قولِ أحمدَ، ومَنْصُوصُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّه أدَّى واجِبًا عليه، فصَحَّ، كما لو اشْتَرَى شَيْئًا فأَدَّى ثَمَنه، أو باعَ بعضَ مالِه وسَلَّمه، ويُفَارِقُ الوَصِيَّةَ، فإنَّه لو اشتَرَى ثِيَابًا مُثَمَّنةً صَحَّ، ولو وَصَّى بِتَكْفِينِه في ثِيَابٍ مُثَمَّنةٍ لم يَصِحَّ، يُحَقِّقُ هذا أنَّ إيفَاءَ ثَمَنِ المَبِيعِ قَضَاءٌ لِبَعْضِ غُرَمائِه، وقد صَحَّ عَقِيبَ البَيْعِ، فكذلك إذا تَرَاخَى، إذ لا أثَرَ لِتَرَاخِيه.

فصل: وإذا تَبَرّعَ المَرِيضُ، أو أعْتَقَ، ثم أقَرَّ بِدَيْنٍ، لم يَبْطُلْ تَبَرُّعُه. نَصَّ عليه أحمدُ، في مَن أعْتَقَ عَبْدَه في مَرَضِه، ثم أقَرَّ بِدَيْنٍ. عَتَقَ العَبْدُ، ولم يُرَدَّ إلى الرِّقِّ. وهذا لأنَّ الحَقَّ ثَبَتَ (٦٤) بالتَّبَرُّعِ في الظاهِرِ، فلم يُقْبَلْ إقْرَارُه فيما يَبْطُلُ به حَقُّ غيرِه.


(٦٠) في م: "منها".
(٦١) سقط من: م.
(٦٢) في م: "لمثله".
(٦٣) سورة النساء ١١.
(٦٤) في م: "يثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>