للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي يوسفَ القاضِى. وهذه قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُها، ولم يُخَالِفْها أحَدٌ فى عَصْرِهِم، فتكونُ إجْمَاعًا. ولأنَّ هذا سَفِيهٌ، فيُحْجَرُ عليه، كما لو بَلَغَ سَفِيهًا؛ فإنَّ العِلَّةَ التى اقْتَضَتِ الحَجْرَ عليه إذا بَلَغَ سَفِيهًا سَفَهُهُ، وهو مَوْجُودٌ، ولأنَّ السَّفَهَ لو قَارَنَ البُلُوغَ مَنَعَ دَفْعَ مَالِه إليه، فإذا حَدَثَ، أوْجَبَ انْتِزَاعَ المالِ كالجُنُونِ. وفَارَقَ الرَّشِيدَ؛ فإنَّ رُشْدَهُ لو قَارَنَ البُلُوغَ لم يَمْنَعْ دَفْعَ مَالِه إليه.

فصل: ولا يَحْجُرُ عليه إلَّا الحَاكِمُ، وبهذا قال الشَّافِعيُّ. وقال محمدٌ: يَصِيرُ مَحْجُورًا عليه بمُجَرَّدِ تَبْذِيرِه؛ لأنَّ ذلك سَبَبُ الحَجْرِ، فأشْبَه الجُنُونَ (٢). ولَنا: أن التَّبْذِيرَ يَخْتَلِفُ، ويُخْتَلَفُ فيه، ويَحْتَاجُ إلى الاجْتِهَادِ، فإذا افْتَقَرَ السَّبَبُ إلى الاجْتِهَادِ، لم يَثْبُتْ إلَّا بِحُكْمِ الحَاكِمِ، [كابْتِدَاءِ مُدَّةِ العُنَّةِ (٣)، ولأنه حَجْرٌ مُخْتَلَفٌ فيه، فلم يَثْبُتْ إلَّا بُحْكْمِ الحَاكِمِ] (٤)، كالحَجْرِ على المُفْلِسِ، وفَارَقَ الجُنُونَ؛ فإنَّه لا يَفْتَقِرُ إلى الاجْتِهَادِ، ولا خِلَافَ فيه، ومتى حُجِرَ عليه، ثمَّ عَادَ فرَشَدَ، فُكَّ الحَجْرُ عنه. ولا يَزُولُ إلَّا بِحُكْمِ الحاكِمِ. وبه قال الشَّافِعيُّ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَزُولُ السَّفَهُ؛ لأنَّه سَبَبُ الحَجْرِ، فيَزُولُ بِزَوَالِه، كما فى حَقِّ الصَّبِىِّ والمَجْنُونِ. ولَنا، أنَّه حَجْرٌ ثَبَتَ بحُكْمِ الحَاكِمِ، فلا يَزُولُ إلَّا به، كحَجْرِ المُفْلِسِ، ولأنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلى تَأَمُّلٍ واجْتِهَادٍ فى مَعْرِفَتِه، وزَوَالِ تَبْذِيرِه، فكان كابْتِدَاءِ الحَجْرِ عليه. وفَارَقَ الصَّبِيَّ والمَجْنُونَ؛ فإنَّ الحَجْرَ عليهما بغيرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَيزُولُ بغير حُكْمِه. ولأنَّنا لو وَقَفْنَا تَصَرُّفَ النَّاسِ على الحاكِمِ، كان أكْثَرُ النَّاسِ مَحْجُورًا عليه. قال أحمدُ: والشَّيْخُ الكَبِيرُ يُنْكَرُ عَقْلُهُ، يُحْجَرُ عليه. يعنى: إذا كَبِرَ، واخْتَلَّ عَقْلُه، حُجِرَ عليه، بمَنْزِلَةِ المَجْنُونِ؛ لأنَّه يَعْجِزُ بذلك عن التَّصَرُّفِ فى مَالِه على وَجْهِ المَصْلَحَةِ، وحِفْظِه، فأشْبَه الصَّبِيَّ والسَّفِيهَ.


(٢) فى أ: "المجنون".
(٣) العنة: عجز يصيب الرجل فلا يقدر على الجِمَاعِ.
(٤) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>