للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما يَحْلِفُ على نَفْىِ عِلْمِه، وهذا لا يَنُوبُ فيه عن أحَدٍ. فإن رَدَّ الوَكِيلُ، وحَضَرَ المُوَكِّلُ، وقال: بَلَغَنِى العَيْبُ، ورَضِيتُ به. فصَدَّقَهُ (٤٢) البائِعُ، أو قامَتْ به بَيِّنةٌ، لم يَقَع الرَّدُّ مَوْقِعَه، وكان لِلْمُوَكِّلِ اسْتِرْجَاعُه، ولِلْبائِعِ رَدُّه عليه؛ لأنَّ رِضَاهُ به عَزَلَ الوَكِيلَ عن الرَّدِّ، بِدَلِيلِ أنَّه لو عَلِمَه لم يكُنْ له الرَّدُّ، إلَّا أن نقولَ: إنَّ الوَكِيلَ لا يَنْعَزِلُ حتى يَعْلَمَ العَزْلَ. وإن رَضِىَ الوَكِيلُ العَيْبَ (٤٣)، أو أمْسَكَه إمْساكًا يَنْقَطِعُ به الرَّدُّ، فحَضَرَ المُوَكِّلُ، فأرَادَ الرَّدَّ، فله ذلك إن صَدَّقَهُ البائِعُ أنَّ الشِّرَاءَ له، أو قامَتْ به بَيِّنةٌ. وإن كَذَّبَهُ ولم تكُنْ به بَيِّنَةٌ، فحَلَفَ (٤٤) البائعُ أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّ الشِّرَاءَ له، فليس له رَدُّهُ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّ مَن اشْتَرَى شيئًا فهو له، ويَلْزَمُ الوَكِيلَ، وعليه غَرَامَةُ الثَّمَنِ. وهذا كله مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: لِلْوَكِيلِ شِرَاءُ المَعِيبِ؛ لأنَّ التَّوْكِيلَ في البَيْعِ مُطْلَقًا [يَدْخُلُ المَعِيبُ] (٤٥) في إِطْلَاقِه، ولأنَّه أمِينُه في الشِّرَاءِ، فجازَ له شِرَاءُ المَعِيبِ، كالمُضَارِبِ. ولَنا، أنَّ البَيْعَ بإِطْلَاقِه يَقْتَضِى الصَّحِيحَ دونَ المَعِيبِ، فكذلك الوَكَالَةُ فيه، ويُفَارِقُ المُضَارَبةَ من حيثُ إنَّ المَقْصُودَ فيها الرِّبْحُ، والرِّبْحُ يَحْصُلُ من المَعِيبِ كحُصُولِه من الصَّحِيحِ، والمَقْصُودُ من الوَكَالةِ شِرَاءُ ما يَقْتَنِى أو يَدْفَعُ به حاجَتَهُ، وقد يكون العَيْبُ مانِعًا من قَضَاءِ الحاجَةِ به ومن قُنْيَتِه، فلا يَحْصُلُ المَقْصُودُ. وقد ناقَضَ أبو حنيفةَ أصْلَه؛ فإنَّه قال في قوله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (٤٦): لا تجوزُ العَمْياءُ ولا مَعِيبَةٌ عَيْبًا يَضُرُّ بالعَمَلِ. وقال ههُنا: يجوزُ لِلْوَكِيلِ شِرَاءُ الأَعْمَى والمُقْعَدِ ومَقْطُوعِ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ.

فصل: وإن أمَرَهُ بشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِها، فاشْتَرَاها، فوَجَدَها مَعِيبَةً، احْتَمَلَ أنَّ له


(٤٢) في ب، م: "صدقه".
(٤٣) في م: "المعيب".
(٤٤) في ب، م: "فحلفه".
(٤٥) سقط من: ب.
(٤٦) سورة المجادلة ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>