إنَّما لم يَلزمْه إذا أرادَ الكَذِبَ؛ لأنَّ قولَه: مالى امرأةٌ. كنايةٌ تَفتقِرُ إلى نِيَّةِ الطَّلاقِ، وإذا نَوَى الكَذِبَ فما نَوَى الطَّلاقَ، فلم يَقَعْ. وهكذا لو نَوَى أنَّه ليس لى امرأةٌ تَخْدُمُنى، أو تُرضِينى، أو أنِّى كَمَن لا امرأةَ له، أو لم يَنْوِ شيئًا، لم تَطْلُق؛ لعَدَمِ النِّيَّةِ المُشْتَرَطَةِ فى الكنايةِ، وإن أرادَ بهذا اللَّفظِ طلاقَها، طَلُقَتْ؛ لأنَّها كنايةٌ صَحِبتْها النِّيَّةُ. وبهذا قال الزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، وحَمَّادُ بنُ أبى سليمانَ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمَّدٌ: لا تَطْلُقُ؛ فإن هذا ليس بكنايةٍ، وإنَّما هو خَبَرٌ هو كاذبٌ فيه، وليس بإيقاع. ولَنا، أنَّه مُحْتَمِلُ الطَّلاقِ؛ لأنَّه إذا طلَّقَها فليست له بامرأةٍ، فأشْبَهَ قولَه: أنتِ بائنٌ. وغيرَها من الكناياتِ الظَّاهرةِ، وهذا يُبْطِلُ قولَهم. فأمَّا إن قال: طلَّقتُها. وأراد الكَذِبَ، طَلُقَتْ؛ لأنَّ لفظَ الطَّلاقِ صريحٌ، يَقَعُ به الطَّلاقُ مِن غيرِ نِيَّةٍ. وإن قال: خَلَّيْتُها، أو ابنْتُها. افتقَرَ إلى النِّيَّةِ؛ لأنَّه كنايةٌ لا يَقَعُ به الطَّلاقُ مِن غيرِ نِيَّةٍ.
فصل: فإن قِيلَ له: أطلَّقْتَ امرأتَك؟ فقال: نعم. أو قِيلَ له: امرأتُك طالقٌ؟ فقال: نعم. طَلُقَتْ امرأتُه، وإن لم يَنْوِ. وهذا الصَّحيحُ مِن مذهبِ الشَّافعىِّ، واخْتِيَارُ المُزَنِىِّ؛ لأنَّ نَعَم صريحٌ فى الجوابِ، والجوابُ الصَّريحُ لِلَّفظِ الصَّريحِ صريحٌ، ألا تَرَى أنَّه لو قِيلَ له: ألِفُلانٍ عليك ألفٌ؟ فقال: نَعَمْ. وَجَبَ عليه. وإن قِيلَ له: طَلَّقْتَ امرأتَك؟ فقال: قد كان بعضُ ذلك. وقال: أردتُ الإيقاعَ. وقعَ. وإن قال: أردتُ أنِّى علَّقتُ طلاقها بشرطٍ. قُبِل؛ لأنَّه مُحْتَمِلٌ لما قاله. وإن قال: أردتُ الإِخبارَ عن شىءٍ ماضٍ. أو قِيلَ له: ألك امرأةٌ؟ فقال: قد طلَّقْتُها. ثم قال: إنما أردتُ أنِّى طلَّقْتُها فى نكاحٍ آخر. دِينَ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى، فأمَّا فى الحُكْمِ؛ فإن لم يَكُنْ ذلك وُجِدَ