للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِلْحاقُه، كما لو كان حيًّا، أو كان له ولدٌ، ولأنَّ ولدَ الولدِ يَتْبَعُ نَسَبَ الوَلَدِ، وقد جَعَلَ أبو حنيفةَ نَسَبَ الولدِ تابِعًا لنسبِ ابْنِه، فجَعَلَ الأصلَ تابعًا للفَرْعِ، وذلك باطلٌ. فأمَّا قولُ الثَّوْرىِّ: إنَّه إنَّما يَدَّعِى مالًا. قُلْنا: إنَّما يَدَّعِى النَّسَبَ والمِيراثَ، والمالُ تَبَعٌ له. فإن قيلَ: فهو مُتَّهَمٌ فى أَنَّ غَرَضَه حصولُ المِيراثِ. قُلْنا: إنَّ (٥) النَّسبَ لا تَمْنَعُ التُّهْمةُ لُحُوقَه، بدليلِ أنَّه لو كان له أخٌ يُعاذِيه، فأقَرَّ بابْن، لَزِمَه، وسَقَطَ مِيراثُ أخِيه، ولو كان الابنُ حيًّا وهو غَنِىٌّ، والأبُ فقيرٌ، فاسْتَلْحقَه، فهو مُتَّهمٌ فى إيجابِ نَفَقَتِه على ابْنِه، ويُقْبَلُ قوُله، فكذلك ههُنا، ثم كان يَنْبَغِى أَن يَثْبُتَ النَّسَبُ ههُنا؛ لأَنَّه حَقٌّ للوَلَدِ، ولا تُهْمةَ فيه، ولا يثْبُتُ المِيراثُ المُخْتَصُّ بالتُّهْمةِ، ولا يَلْزَمُ من انْقِطاعِ [التَّبَعِ انْقِطَاعُ] (٦) الأصْلِ. قال القاضى: ويتعلَّقُ باللِّعانِ أربعةُ أحكامٍ؛ حَقَّانِ عليه، وُجُوبُ الحَدِّ، ولُحُوقُ النسبِ. وحَقّانِ له؛ الفُرْقةُ، والتَّحْرِيمُ المُؤَبّدُ، فإذا أكْذَبَ نَفْسَه، قُبِلَ قولُه فيما عليه، فلَزِمَه الحدُّ والنَّسَبُ، ولم يُقْبَلْ فيما له، فلم تَزُلِ الفُرْقَةُ، ولا التَّحْرِيمُ المؤبدُ.

فصل: فإن لم يُكْذِبْ نَفْسَه، ولكن لم يكنْ له بَيِّنةٌ، ولا لَاعَن، أُقِيمَ عليه الْحَدُّ. فإن أُقِيمَ عليه بعضُه، فبَذَلَ اللِّعانَ، وقال: أنا أُلَاعِنُ. قُبِلَ منه؛ لأنَّ اللِّعانَ يُسْقِطُ (٧) جَمِيعَ الحدِّ، فيُسْقِطُ بعضَه، كالبَيِّنةِ (٨). فإنَّ ادَّعَتْ زَوْجَتُه أنَّه قَذَفَها بالزِّنى، فأنكرَ، فأقامتْ عليه بَيِّنة أنَّه قَذَفَها بالزِّنَى، فقال: صَدَقَتِ البَيِّنَةُ، وليس ذلك قَذْفًا؛ لأنَّ القَذْفَ الرَّمْىُ بالزِّنَى كَذِبًا، وأنا صادقٌ فيما رَمَيْتُها به. لم يكُنْ ذلك إكْذابًا لِنَفْسِه؛ لأنَّه مُصِرٌّ على رَمْيِها بالزِّنَى، وله إسْقاطُ الْحَدِّ باللِّعانِ. ومذهبُ الشافعىِّ فى هذا الفصلِ كمَذْهَبنا. فإنَّ قال: ما زَنَتْ، ولا رَمَيْتُها بالزِّنَى. فقامتِ البَيِّنَةُ عليه بقَذْفِها، لَزِمَه الْحَدُّ، ولم تُسْمَعْ بَيِّنَتُه ولا لِعانُه. نصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ قولَه:


(٥) سقط من: الأصل.
(٦) سقط من: أ، ب، م.
(٧) فى أ: "أسقط".
(٨) فى أ، م: "بالبينة".

<<  <  ج: ص:  >  >>