للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَخْلُ (١) من أن يَمْلِكَها قبلَ رَفْعِه إلى الحاكمِ، والمُطَالبةِ بها عندَه، أو بعدَ ذلك، فإن مَلَكَها قبلَه، لم يجبِ القطعُ؛ لأنَّ من شَرْطِه المُطالبةَ بالمسْروقِ، وبعَد مِلْكِه له لا تَصِحُّ المُطالَبَةُ، وإن مَلَكَها بعدَه، لم يسْقُطِ القَطْعُ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ، وإسحاقُ. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: يَسْقُطُ؛ لأنَّها صارَتْ مِلْكَه، فلا يُقْطَعُ في عَيْنٍ هي مِلْكُه، كما لو مَلَكَها قبلَ المُطالَبَةِ بها، ولأنَّ المُطالَبَةَ شَرْطٌ، والشُّروطُ (٢) يُعْتَبَرُ دوامُها، ولم يَبْقَ لهذه (٣) العَيْنِ مُطالِبٌ، ولَنا، ما رَوَى الزُّهْرِىُّ، عن ابن صَفْوان، عن أبيه، أنَّه نامَ في المسجدِ، وتَوَسَّدَ رِداءَه، فأُخِذَ من تحتِ رأسِه، فجاءَ بِسَارِقِه إلى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرَ به النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقْطَعَ، فقال صفوانُ: يا رسولَ اللَّه، لم أُرِدْ هذا، رِدَائِى عليه صَدَقَةٌ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَهلَّا قَبْلَ أنْ تَأْتِيَنِى (٤) بِهِ! ". روَاه ابن ماجَه (٥)، والجُوزَجَانىُّ. وفى لفظٍ قال: فأتيتُه، فقلْتُ له (٦): أَتَقْطَعُه من أجلِ ثلاثين درهمًا؟ أنا أبِيعُه وأُنْسئُه ثمنَها. قال: "فَهَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ! ". روَاه الأثْرمُ، وأبو داود (٦). فهذا يدلُّ علي أنَّه لو وُجِدَ قبلَ رَفْعِه إليه، لَدرَأَ القَطْعَ، وبعدَه لا يُسْقِطُه. وقولُهم: إنَّ المطالبةَ شَرْطٌ. قُلْنا: هي شَرْطُ [الحُكْمِ لا شَرْطُ] (٧) القَطْعِ، بدليلِ أنَّه لو اسْتَردَّ العَيْنَ لم يسْقُطِ القَطْعُ، وقد زالَتِ المُطالَبَةُ.

فصل: وإن أقرَّ المسْروقُ منه أنَّ المسْروقَ كان مِلْكًا للسَّارقِ، أو قامَتْ به بَيِّنَةٌ، أو أنَّ له فيه شُبْهةً، أو أنَّ المالِكَ أَذِنَ له في أخذِها، أو أنَّه سَبَّلَها، لم يُقْطَعْ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا أنه لم يجبْ، بخلافِ ما لو وَهَبَه إيَّاها، فإنَّ ذلك لا (٨) يَمْنَعُ كَوْنَ الحَدِّ واجبًا. وإن أقرَّ له


(١) في ب: "يحد".
(٢) في م: "والشرط".
(٣) في ب: "بهذه".
(٤) في الأصل، ب: "تأتى".
(٥) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٢٧.
(٦) سقط من: ب، م.
(٧) سقط من: م.
(٨) في الأصل، ب: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>