للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦٢٧ - مسألة؛ قال: (وَيُقاتَلُ أهْلُ الْكِتَابِ والمَجُوسُ، ولا يُدْعَوْنَ، لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغتْهُم، ويُدْعَى عَبَدةُ الأَوْثانِ قَبْلَ أنْ يُحارَبُوا)

أمَّا قولُه في أَهْلِ الكِتابِ والمَجُوسِ: لا يُدْعَوْنَ قبلَ القِتالِ. فهو على عُمومِه؛ لأنَّ الدَّعْوَةَ قَد انْتَشَرَت وعَمَّتْ، فلم يَبْقَ منهم مِمَّن (١) لم تَبْلُغْه الدَّعْوةُ إلَّا نادرٌ بعيدٌ. وأمَّا قولُه: يُدْعَى عَبَدَةُ الأَوْثانِ قبلَ أنْ يُحارَبُوا. فليس بعامٍّ، فإنَّ مَنْ بَلَغَتْه الدَّعْوَةُ منهم لا يُدْعَوْنَ، وإنْ وُجِدَ منهم مَنْ لم تَبْلُغْه الدَّعْوَةُ دُعِىَ قبلَ القِتالِ، وكذلك إنْ وُجِدَ مِنْ أهلِ الكتابِ مَنْ لم تبلغْه الدّعوةُ، دُعُوا قبلَ القِتالِ. قال أحمد: إنَّ الدعوةَ قد بَلَغَتْ وانْتَشَرَتْ، ولكن إنْ جازَ أن يكونَ قومٌ خَلْفَ الرُّومِ وخَلْفَ التُّرْكِ، على هذه الصِّفَةِ، لم يَجُزْ قِتالُهم قبلَ الدَّعْوةِ؛ وذلك لما روَى بُرَيْدَةُ، قال: كان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بَعَثَ أمِيرًا على سَرِيَّةٍ أو جيشٍ، أمَرَه بتَقْوَى اللَّه في خاصَّتِه، وبِمَنْ معَهُ من المُسْلمين، وقال: "إذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتَهَنَّ أَجَابُوكَ إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ؛ ادْعُهُمْ إلَى الإِسْلَامِ، فَإنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ، فإنْ هُمْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فإنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ، فإنْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَيْهِم، وَقَاتِلْهُمْ". روَاه أبو داودَ، ومسلمٌ (٢). وهذا يَحْتَمِلُ أنَّه كان في بَدْءِ الأَمْرِ قبلَ انْتِشارِ الدَّعوةِ، وظهورِ الإِسلامِ، فأمَّا اليومَ، فقد انْتَشَرَتِ الدَّعْوَة، فاسْتُغْنِىَ بذلك عن الدُّعاءِ عندَ القتال. قال أحمد:


= والحديث أخرجه الترمذي، في: تفسير سورة آل عمران، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي ١١/ ١٣٨. وابن ماجه، في: باب فيما أنكرت الجهمية، من المقدمة، وفي: باب فضل الشهادة في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ١/ ٦٨، ٢/ ٩٣٦.
(١) في النسخ: "من".
(٢) أخرجه أبو داود، في: باب في دعاء المشركين، من كتاب الجهاد، سنن أبي داود ٢/ ٣٥، ٣٦. ومسلم، في: باب تأمير الإِمام الأمراء على البعوث، ووصيته. . ., من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم ٣/ ١٣٥٧، ١٣٥٨.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في وصيته -صلى اللَّه عليه وسلم- في القتال، من أبواب السير. عارضة الأحوذي ٧/ ١١٩، ١٢٠. وابن ماجه، في: باب وصية الإِمام، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٥٣، ٩٥٤. والدارمي، في: باب في الدعوة إلى الإِسلام قبل القتال، من كتاب السير. سنن الدارمي ٢/ ٢١٦، ٢١٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٣٥٢, ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>