للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهْرَ إلَّا تِسْعَةً وعِشْرِينَ يَوْمًا. ويقال: لَقِيتُ القَوْمَ جَمِيعَهم إلَّا واحِدًا أو اثْنَيْنِ. ولا يجوزُ أن يقولَ: لَقِيتُ القَوْمَ إلَّا أكْثَرَهم. وإذا لم يَكُنْ صَحِيحًا في الكلامِ، لم يَرْتَفِعْ به ما أقَرَّ به، كاسْتِثْنَاءِ الكُلِّ. وكما لو قال: له عَلَىَّ عَشَرَةٌ، بل خَمْسَةٌ. فأمَّا ما احْتَجُّوا به من التَّنْزِيلِ، فإنَّه في الآيَةِ الأُولَى اسْتَثْنَى المُخْلَصِينَ من بَنِى آدَمَ، وهم الأَقَلُّ، كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} (٧). وفى الأُخْرَى اسْتَثْنَى الغَاوِينَ من العِبَادِ وهم الأَقَلُّ، فإنَّ المَلَائِكَةَ من العِبَادِ، وهم غيرُ غَاوِينَ، قال اللَّه تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (٨). وقيل: الاسْتِثْنَاءُ في هذه الآيَةِ مُنْقَطِعٌ بمعنى الاسْتِدْرَاكِ، فيكونُ قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} مُبْقًى على عُمُومِه، لم يُسْتَثْنَ منه شيءٌ، ثم اسْتَأْنَفَ: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}. أي لكنْ من اتَّبَعَكَ من الغَاوِينَ فإنَّهم غَوَوْا بِاتِّبَاعِكَ. وقد دَلَّ على صِحَّةِ هذا قولُه في الآيةِ الأُخْرَى لأَتْبَاعِه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} (٩). وعلى هذا لا يكونُ لهم فيها حُجَّةٌ. وأمَّا البَيْتُ فقال ابن فَضَّالٍ النَّحْوِىُّ (١٠): هو بَيْتٌ مَصْنُوعٌ، لم يَثْبُتْ عن العَرَبِ. على أن هذا ليس بِاسْتِثْنَاءٍ، فإنَّ الاسْتِثْنَاءَ له كَلِمَاتٌ مَخْصُوصَةٌ ليس ههُنا (١١) شيءٌ منها، والقِيَاسُ لا يَجُوزُ في اللُّغَةِ. ثم نُعَارِضُه بأنَّه اسْتَثْنَى أكْثَرَ من النِّصْفِ، فلم يَجُزْ، كاسْتِثْنَاءِ الكُلِّ. والفَرْقُ بين اسْتِثْنَاءِ الأَكْثَرِ والأَقَلِّ، أنَّ العَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ في الأَقَلِّ وحَسَّنَتْهُ، ونَفَتْهُ في الأَكْثَرِ وقَبَّحَتْهُ، فلم يَجُزْ قِيَاسُ ما قَبَّحُوه على ما جَوَّزُوهُ وحَسَّنُوهُ.

فصل: وفى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَجْهَانِ؛ أحَدُهما, يجوزُ. وهو ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛


(٧) سورة ص ٢٤.
(٨) سورة الأنبياء ٢٦.
(٩) سورة إبراهيم ٢٢.
(١٠) أبو الحسن على بن فضال بن على المجاشعى، إمام النحو، صاحب المؤلفات، توفى سنة تسع وسبعين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء ١٨/ ٥٢٨، ٥٢٩.
(١١) في الأصل, م: "هنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>