للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه مَمْنُوعٌ من عَطِيَّةِ ذلك لأَجْنَبِىٍّ، كما هو مَمْنُوعٌ من عَطِيَّةِ الوارِثِ، فلا (٢) يَصِحُّ إِقْرَارُه بما لا يَمْلِكُ عَطِيَّتَه، بِخِلَافِ الثُّلُثِ فما دون. ولَنا، أنَّه إِقْرَارٌ غيرُ مُتَّهَمٍ فيه، فقُبِلَ، كالإِقْرَارِ في الصِّحَّةِ، يُحَقِّقُه أنَّ حالَةَ المَرَضِ أَقْرَبُ إلى الاحْتِيَاطِ لِنَفْسِه، وإِبْرَاءِ ذِمَّتِه، وتَحَرِّى الصِّدْق، فكان أَوْلَى بالقَبُولِ. وفارَقَ الإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ فيه، على ما سَنَذْكُرُه.

فصل: فإن أقَرَّ لأَجْنَبِىٍّ بِدَيْنٍ في مَرَضِه، وعليه دَيْنٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أو إِقْرَارٍ في صِحَّتِه، وفى المال سَعَةٌ لهما، فهما سَوَاءٌ، وإن ضَاقَ عن قَضائِهِما، فظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّهما سَوَاءٌ. وهو اخْتِيَارُ التَّمِيمِىِّ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وذَكَر أبو عُبَيْدٍ أنَّه قولُ أكْثَر (٣) أهْلِ المَدِينَةِ؛ لأنَّهما حَقَّانِ يَجِبُ قَضَاؤُهما من رَأْسِ المالِ، لم يَخْتَصَّ أحَدُهما بِرَهْنٍ، فاسْتَوَيَا، كما لو ثَبَتَا بِبَيِّنَةٍ. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يَحَاصُّ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ. قال (٤) القاضي: هو قِيَاسُ المَذْهَبِ؛ لنَصِّ أحمدَ في المُفْلِسِ أنَّه إذا أقَرَّ وعليه دَيْنٌ ببَيِّنَةٍ، يَبْدَأُ بالدَّيْنِ الذي بالبَيِّنَةِ. وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحَابُ الرأى؛ لأنَّه أقَرَّ بعدَ تَعَلُّقِ الحَقِّ بِتَرِكَتِه، فوَجَبَ أن لا يُشَارِكَ المُقَرَّ له مَن ثَبَتَ دَيْنُه بِبَيِّنَةٍ، كغَرِيمِ المُفْلِسِ الذي أقرَّ له بعدَ الحَجْرِ عليه، والدَّلِيلُ على تَعَلُّقِ الحَقِّ بمالِه، مَنْعُه من التَّبَرُّعِ ومن الإِقْرَارِ لوَارِثٍ؛ ولأنَّه مَحْجُورٌ عليه ولهذا لا تَنْفُذُ هِبَاتُه وتَبَرُّعَاتُه، فلم يُشَارِكْ مَن أَقَرَّ له قبل الحَجْرِ، ومن ثَبَتَ دَيْنُه بِبَيِّنَةٍ، كالذى أقَرَّ له المُفْلِسُ. وإن أقَرَّ لهما جَمِيعًا في المَرَضِ، تَسَاوَيَا، ولم يُقَدَّمِ السّابِقُ منهما؛ لأنَّهما اسْتَوَيَا في الحالِ، فأَشْبَها غَرِيمَىِ الصِّحَّةِ.

٨٦٠ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، لَمْ يَلْزَمْ بَاقِى الوَرَثَةِ قَبُولُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ)

وبهذا قال شُرَيْحٌ، وأبو هاشمٍ، وابنُ أُذَيْنَةَ (١)، والنَّخَعِىُّ، ويحيى الأَنْصَارِىُّ، وأبو


(٢) في الأصل: "فلم".
(٣) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٤) في ب، م: "وقال".
(١) عروة بن أذينة، وأذينة لقب، واسمه يحيى بن مالك الليثي التابعى، مدينى، فقيه، محدث، شاعر، ثقة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>