للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَسادُ به. وحُكِىَ عن أبي بكرٍ أنَّ عليه كَفَّارَةَ يَمِينٍ. ولم أرَ هذا عن أبي بكرٍ فى كتابِ "الشَّافِى"، ولَعَلَّ أبا بكرٍ إنَّما أوْجَبَ عليه كَفَّارَةً فى مَوْضِعٍ تَضَمَّنَ الإِفْسَادُ الإِخْلالَ بالنَّذْرِ، فوَجَبَتْ لمُخالفتِه (٣) نَذْرَه، وهى كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فأمَّا فى غير ذلك فَلا؛ لأنَّ الكَفَّارَةَ إنَّما تَجِبُ بِنَصٍّ أو إجْماعٍ أو قِياسٍ، وليس هاهُنا نَصٌّ ولا إجْماعٌ ولا قِياسٌ، فإنَّ نَظِيرَ الاعْتِكافِ الصَّوْمُ، ولا يَجِبُ بِإفْسادِهِ كَفَّارَةٌ إذا كان تَطَوُّعًا ولا مَنْذُورًا (٤)، ما لم يَتَضَمَّن الإِخْلالَ بِنَذْرِه؛ فيَجِبُ به كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كذلك هذا.

فصل: فأمَّا المُبَاشَرَةُ دُونَ الفَرْجِ، فإن كانتْ لغيرِ شَهْوةٍ، فلا بَأْسَ بها، مثل أن تَغْسِلَ رَأْسَه، أو تَفْلِيهِ، أو تُنَاوِلَهُ شَيْئًا؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يُدْنِى رَأْسَه إلى عَائِشَةَ وهو مُعْتَكِفٌ فتُرَجِّلُهُ (٥). وإن كانتْ عن شَهْوَةٍ، فهى مُحَرَّمَةٌ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٦). ولِقَوْلِ عائشةَ: السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا، ولا يَشْهَدَ جِنَازَةً، ولا يَمَسَّ امْرَأَةً، ولا يُبَاشِرَها. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٧). ولأنَّه لا يَأْمَنُ إفْضاءَها إلى إفْسادِ الاعْتِكافِ، وما أفضَى إلى الحَرامِ كان حَرَامًا. فإن فَعَلَ، فأنْزَلَ، فَسَدَ اعْتِكافُه، وإن لم يُنْزِلْ، لم يَفْسُدْ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، فى أحَدِ قَوْلَيْه. وقال فى الآخَرِ: يَفْسُدُ فى الحَالَيْنِ. وهو قولُ مَالِكٍ؛ لأنَّها مُباشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ، فأفْسَدَتِ الاعْتِكافَ، كما لو أَنْزَلَ. ولَنا، أنَّها مُباشَرَةٌ لا تُفْسِدُ صَوْمًا ولا حَجًّا، فلم تُفْسِد الاعْتِكافَ، كالمُباشَرَةِ لغيرِ شَهْوَةٍ. وفَارَقَ التى أَنْزَلَ بها؛ لأنَّها تُفْسِدُ الصَّوْمَ، ولا كَفَّارَةَ عليه، إلَّا على رِوايَةِ حَنْبَلٍ.


(٣) فى أ، م: "لمخالفة".
(٤) أى: ولا يجب بإفساده كفارة إذا كان منذورا.
(٥) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٦١.
(٦) سورة البقرة ١٨٧.
(٧) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>