الكثيرةِ، فإنَّ المُحاذِىَ للكثيرةِ كثيرٌ فلا يتنَجَّسُ، والمُحاذِىَ للقليلةِ قليلٌ فيتنجَّس، فإننا لو فَرضْنا كلبًا في جانبِ نهرٍ، وشَعْرةٌ منه في الجانبِ الآخَرِ، لكانَ المُحاذِى للشَّعْرةِ لا يبلُغ قُلَّتَيْن؛ لِقلَّةِ ما يحاذِيها، والمُحاذِى للكلبِ يبلُغ قِلالًا، وقد ذكر القاضي وابنُ عَقِيلٍ، أن الْجِرْيَةَ المُحاذِيةَ للنَّجاسةِ فيما بين طَرَفَىِ النهرِ ويتعَيَّنُ حَمْلُه على ما ذكَرْناه، لما بَيَّنَّاه.
فإن قيل: فهذا يُفْضِى إلى التَّسْوِيَةِ بين النجاسةِ الكثيرةِ والقَلِيلةِ.
قُلْنا: الشَّرْعُ سَوَّى بينهما في الماءِ الرَّاكدِ، وهو أصلٌ، فتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بينهما في الجارِى، الذي هو فَرْعٌ.
فصل: فإن كان في جانبِ النهر ماءٌ واقِفٌ، مائِلٌ عن سَنَنِ الماء، مُتَّصِلٌ بالجارِى، أو كان في أرض النهرِ وَهْدَةٌ، فيها ماءٌ واقِفٌ، وكان ذلك مع الْجِرْيَةِ المُقابِلَةِ له دون القُلَّتَيْن، نَجُسَا جميعًا بوُجودِ النجاسةِ في أحدِهما؛ لأنَّه ماءٌ مُتَّصِلٌ دون القُلَّتَيْن، فينْجُس بها جميعهُ كالرَّاكِد. وإن كان أحدُهما قُلَّتَيْن لم ينْجُسْ واحدٌ منهما ما داما مُتلاقِيَيْن إلَّا بالتغيُّرِ؛ لأنَّ القُلَّتَيْن تدْفَعُ النجاسةَ عن نفسِها، وعمَّا لاقَتْهُ. ثم لا يخْلُو مِن كَوْنِ النجاسةِ في النهرِ، أو في الواقِفِ، فإن كانتْ في النهرِ وهو قُلَّتان فهو طاهِرٌ علَى كلِّ حالٍ، وكذلك الواقِفُ، وإن كان دون القُلَّتَيْن فهو نَجِسٌ قبلَ مُلاقاتِه للواقفِ، فإذا حاذاه طَهُرَ باتِّصالِه به، فإذا فارَقه عاد إلى التنَجُّس؛ لقِلَّتِه مع وُجودِ النجاسةِ فيه. وإن كانت النجاسةُ في الواقِفِ لم ينْجُس بحالٍ، لأنه لا يزالُ هو وما لَاقاهُ قُلَّتَيْن. فإن كان الواقِفُ دون القُلَّتَيْن، والجِرْيَةُ كذلك، إلَّا أنهما بمجْموعِهما يَزيدان عن القُلَّتَيْن، وكانت النجاسةُ في الواقفِ، لم ينْجُسْ واحدٌ منهما؛ لأنها مع ما تُلاقِيه أكثرُ مِن قُلَّتَيْن. وإن كانتْ في النهرِ، فقياسُ قَوْلِ أصحابِنا أن ينْجُسَ الواقِفُ، والجِرْيَةُ التي فيها النجاسةُ، وكلُّ ما يَمُرُّ بعدَها بالواقِفِ؛ لأن الْجِرْيَةَ التي فيها النجاسةُ كانت نَجِسةً قبلَ مُلاقاةِ الواقفِ، ثم نَجُسَ (٦٠) بها الواقِفُ؛ لكَوْنِه ماءً دون القُلَّتَيْن وَرَدَ عليه ماءٌ نَجِسٌ، ولم تَطْهُرِ