للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قِيلَ: قد ورَد الشرعُ بتَنْجِيسِ قليلِه؛ بقوله (٥٧) عليه السلام: "إِذَا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلِ الْخَبَثَ".

قُلْنا: هذا حُجَّةٌ علَى طَهارتِه؛ لأنَّ ماءَ الساقية بمَجْمُوعِه قد بلَغ القُلَّتَيْن، فلا يَحْمِلُ الخَبَثَ، وتخْصِيصُ الجِرْية منه بهذا التقْديرِ تحَكُّمٌ لا دليلَ عليه، ثم الخبرُ إنما ورَد في الماءِ الرَّاكد، ولا يصحُّ قِياسُ الجارِى عليه، لِقُوَّتِه بجَريانِه واتِّصالِه بمادته، ثم الخبرُ إنما يدُلُّ بمَنْطُوقِه على نَفْىِ النجاسةِ عمَّا بلَغ القُلَّتَيْن، وإنما يُسْتَدلُّ ها هنا بمَفْهُومِه، وقَضاء حَقِّ المفهومِ يحصُل بمُخالَفةِ ما دون القُلَّتَيْن لِمَا بلَغهما، وقد حصَلتِ المُخالفةُ بكَونِ ما دون القُلَّتَيْن يفْتَرِقُ فيه الماءُ الجارى والرَّاكدُ في التَّنْجِيس، وما بَلَغهُما لا يختلِفُ، وهذا كافٍ.

وقال القاضي، وأصحابُه: كلُّ جرْيَةٍ من الماءِ الجارِى مُعْتبرَةٌ بنفسِها، فإذا كانت النجاسةُ جارِيةً مع الماءِ، فما أمامَها طاهِرٌ؛ لأنها لم تصِلْ إليه، وما خَلفهَا طاهرٌ؛ لأنه لم يصِلْ إليها، والجِرْيةُ التي فيها النجاسةُ إن بلَغتْ قُلَّتَيْن فهى طاهِرةٌ، إلَّا أن تتغَيَّر بالنجاسةِ، وإن كانت دون القُلَّتَيْن فهى نَجِسةٌ، وإن كانت النجاسةُ واقِفةً في جانب النهرِ، أو قَرارِه، أو في وَهْدةٍ (٥٨) منه، فكلُّ جِرْيَةٍ تَمُرُّ عليها إن كانت دون القُلَّتَيْن فهى نَجِسَةٌ، وإن [كانت الجِرْيةُ] (٥٩) قُلَّتَيْن فهى طاهرةٌ، إلَّا أن تتغَيَّرَ.

والجِرْيَةُ: هي الماءُ الذي فيه النجاسةُ، وما قَرُبَ منها مِن خَلْفِها وأمامِها، ممَّا العادةُ انْتِشارُها إليه إن كانتْ ممَّا ينْتَشِر، مع ما يحُاذِى ذلك كلَّه ممَّا بين طَرَفَىِ النَّهْرِ، فإن كانت النجاسةُ مُمْتَدَّةً فلكلِّ جُزْءٍ منها مثلُ تلك الجِرْيَةِ المُعْتبرَةِ للنجاسة القليلة، ولا يُجْعلُ جميعُ ما يُحاذِيها جِرْيةً واحدةً، لئلَّا يُفضِى إلى تَنْجِيس الماء الكثيرِ بالنَّجاسةِ القليلةِ، ونَفْىِ التَّنْجِيس عن الكثيرِ مع وجُودِ النجاسةِ


(٥٧) في م: "لقوله".
(٥٨) الوهدة: المكان المطمئن.
(٥٩) في م: "بلغت".

<<  <  ج: ص:  >  >>