للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلَيْم، عن خالِدِ بنِ الوليدِ، أنَّه وجدَ في بعضِ ضَواحِى العربِ رَجُلًا يُنْكَحُ كما تُنْكَحُ المرأةُ، فكَتبَ إلى أبى بكرٍ، فاسْتَشارَ أبو بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، الصَّحابةَ فيه، فكان علىٌّ أشدَّهم قَوْلًا فيه فقال: ما فعلَ هذا إلَّا أُمَّةٌ من الأُمَمِ واحِدَةٌ، وقد عَلِمْتُمُ ما فعلَ اللهُ بها، أرَى أنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ. فكتبَ أبو بكرٍ إلى خالدٍ بذلك، فحرَقَه (٩). وقال الحكمُ، وأبو حنيفةَ: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّه ليس بمَحَلٍّ للوَطْءِ (١٠)، أشْبَهَ غيرَ الفَرْجِ. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُولَى، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فاقْتُلُوا الفَاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ". روَاه أبو داودَ (١١). وفى لفظٍ: "فَارْجُمُوا الأَعْلَى والأَسْفَلَ". ولأنَّه إجماعُ الصحابةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فإنَّهم أَجْمَعُوا على قَتْلِه، وإنَّما اخْتلفُوا في صِفَتِه. واحتجَّ أحمدُ [بعلىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه] (١٢)، وأنَّه كان يَرَى رَجْمَه، ولأنَّ اللَّه تعالى عَذَّبَ قومَ لُوطٍ بالرَّجْمِ، فيَنْبَغِى أن يُعَاقَبَ مَن فَعَلَ فِعْلَهم بمثْلِ عُقُوبَتِهم. وقولُ من أسقطَ الحَدَّ عنهْ يُخالِفُ النَّصَّ والإِجْماعَ، وقياسُ الفَرْجِ على غيرِه لا يَصِحُّ؛ لما بينهما من الفَرْقِ. إذا ثبتَ هذا، فلا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ في مَمْلوكٍ له أو أجْنَبِىٍّ؛ لأنَّ الذَّكَرَ ليس بمَحَلٍّ لِوَطْءِ الذَّكَرِ، فلا يُؤَثِّرُ مِلْكُه له. ولو وَطِىءَ زَوْجتَه أو مَمْلوكتَه في دُبُرِها، كان مُحَرَّمًا، ولا حَدَّ فيه؛ لأنَّ المرأةَ مَحَلٌّ لِلْوَطْءِ في الجُمْلَةِ، وقد ذهب بعضُ العُلَماءِ إلى حِلِّه، فكان ذلك شُبْهةً مانِعَةً من الحَدِّ، بخلافِ التَلَوُّطِ.

فصل: وإن تَدَالَكتِ امْرأتانِ، فهما زانِيَتانِ ملْعونَتانِ؛ لمَا رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "إذَا أتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، فَهُمَا زَانِيَتانِ" (١٣). ولا حَدَّ عليهما؛ لأنَّه لا يتَضمَّنُ


(٩) أخرجه البيهقي، في: الباب السابق. السنن الكبرى ٨/ ٢٣٢.
(١٠) في م: "الوطء".
(١١) في: باب في من يعمل عمل قوم لوط، من كتاب الحدود. سنن أبي داود ٢/ ٤٦٨.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في حد اللوطى، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٤٠. وابن ماجه، في: باب من عمل عمل قوم لوط، من كتاب الحدود. سن ابن ماجه ٢/ ٨٥٦.
(١٢) في م: "رضى اللَّه عنه بقول على عليه السلام".
(١٣) أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في حد اللوطى، من كتاب الحدود. السنن الكبرى ٨/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>