للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرَمِ أعْظمُ. ويُفارِقُ الحجازَ من وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أَنَّ دخُولَه إلى الحرَمِ حَرامٌ، وإقامَتَه به حَرامٌ، بخلافِ الحجازِ. والثانى، أَنَّ خروجَه من الحرَمِ سهلٌ مُمْكِنٌ، لقُرْبِ الحِلِّ منه، وخُروجَه من الحجازِ فى مَرَضِه صَعْبٌ مُمْتَنِعٌ. وإِنْ دُفِنَ، نُبِشَ وأُخْرِجَ، إلَّا أَنْ يصْعُبَ إخْراجُه، لنَتْنِهِ وتقَطُّعِه. وإِنْ صالَحَهم الإِمامُ على دُخولِ الحرمِ بعِوَضٍ، فالصُّلْحُ باطلٌ. فإنْ دَخَلُوا إلى المَوضِعِ الذى صالَحَهم عليه، لم يُرَدَّ عليهم العِوَضُ؛ لأنَّهم قد اسْتَوْفُوا ما صالَحَهُم عليه. وإِنْ وَصَلُوا إلى بعضِه، أخِذَ من العِوَضِ بقَدْرِه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُرَدَّ عليهم بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ ما اسْتَوْفُوه (٦٠) لا قِيمَةَ له، والعَقْدُ لم يُوجِبْ العِوَضَ، لِكَوْنِه باطلًا.

فصل: فأمَّا مساجدُ الحِلِّ، فليس لهم دُخولُها بغيرِ إذْنِ المسلمين؛ لأنَّ عليًّا، رَضِىَ اللَّهُ عنه، [بَصُرَ بمَجُوسىٍّ وهو على المِنْبَرِ، وقد دخَلَ المسجِدَ، فنزَلَ، وضَرَبَه، وأخْرَجَه من بابِ (٦١) كِنْدَةَ] (٦٢). فإنْ أُذِنَ لهم فى دُخولِها، جازَ، فى الصَّحيحِ من المذهبِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدِمَ عليه وفْدُ أهلِ الطائِفِ، فأنْزَلَهم فى (٦٣) المسجِدِ قبلَ إسْلامِهِم (٦٤). وقال سعيدُ بن المُسيَّب: قد كان أبو سُفْيان يَدْخُلُ مَسْجدَ المدينَةِ (٦٥) وهو على شِرْكِه (٦٦). وقَدِمَ عُمَيْرُ (٦٧) بن وَهْبٍ، فدَخَلَ المسجدَ والنَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه، ليَفْتِكَ به، فرَزَقَه اللَّه الإِسلامَ (٦٨). وفيه رِوايَةٌ أُخْرَى، ليس لهم دخولُه بحالٍ؛ لأنَّ أبا موسى دَخَلَ على عمرَ ومعه كتابٌ قد كُتِبَ فيه حسابُ عَمَلِه، فقال له عمرُ: ادْعُ الذى كَتَبَه ليَقْرأَهُ. قال: إنَّه لا يدْخُلُ المسجِدَ. قال: ولِمَ [لا يَدْخُلُ المسجدَ] (٦٩)؟ قال: إنَّه نَصْرَانِىٌّ (٧٠). [وهذا اتِّفاقٌ منهم على أنَّه لا يدخلَ المسجدَ] (٦٩)، وفيه دليلٌ على شُهْرَةِ ذلك بينهم،


(٦٠) فى أ، ب: "استوفوا".
(٦١) فى. م: "أبواب".
(٦٢) سقط من: أ، ب. وأثر على هذا لم نجده.
(٦٣) فى م: "من".
(٦٤) أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى خبر الطائف، من كتاب الخراج والفىء والإمارة. سنن أبى داود ٢/ ١٤٦.
(٦٥) فى أ: "الحديبية". خطأ.
(٦٦) ورد الخبر فى سيرة ابن هشام ٢/ ٣٩٧.
(٦٧) فى ب: "عمر".
(٦٨) ذكره ابن هشام، فى السيرة ١/ ٦٦٢.
(٦٩) سقط من: م.
(٧٠) أخرجه البيهقى، فى: باب لا يدخلون مسجدا بغير إذن، من كتاب الجزية، وفى: باب لا ينبغى للقاضى ولا للوالى أن يتخذ قاضيا ذميا، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى ٤/ ٢٠٩، ١٠/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>