للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَتَامَى}. يعنى، اخْتَبِرُوهُم فى حفْظِهِم لأموالِهِم. {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}. أى مَبْلَغَ الرِّجالِ والنِّسَاءِ. {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}. أى أَبْصَرْتُمْ وعَلِمْتُمْ منهم حِفْظًا لأمْوَالِهِمْ، وصَلاحًا (٦) فى تَدْبِيرِ مَعَايِشِهِم.

٨١٠ - مسألة؛ قال أبو القَاسِمِ، رَحِمَهُ اللهُ: (وَمَنْ أُونِسَ مِنْهُ رُشدٌ، دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، إذَا كَانَ قَدْ بَلَغَ)

الكَلامُ فى هذه المَسْأَلَةِ فى فُصُولٍ ثَلاثةٍ:

أحدُها، فى وُجُوبِ دَفْعِ المالِ إلى المَحْجُورِ عليه إذا رَشَدَ وبَلَغَ، وليس فيه اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللهِ تعالى. قال ابنُ المُنْذِرِ: اتَّفَقُوا على ذلك، وقد أمَرَ اللهُ تعالى به فى نَصِّ كِتَابِه، بقَوْلِه سُبْحَانَهُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (١). ولأنَّ الحَجْرَ عليه إنَّما كان لِعَجْزِه عن التَّصَرُّفِ فى مَالِه على وَجْهِ المَصْلَحَةِ، حِفْظًا لِمَالِه عليه، وبِهذَيْنِ المَعْنَيَيْنِ يَقْدِرُ على التَّصَرُّفِ، ويُحْفَظُ مَالُه، فيَزُولُ الحَجْرُ، لِزَوَالِ سَبَبِهِ. ولا يُعْتَبَرُ فى زَوَالِ الحَجْرِ عن المَجْنُونِ إذا عَقَلَ حُكْمُ حَاكِمٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، ولا يُعْتَبَرُ ذلك فى الصَّبِىِّ إذا رَشَدَ وبَلَغَ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: لا يَزُولُ إلَّا بِحَاكِمٍ. وهو قولُ بعضِ أصْحَابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ ونَظَرٍ، فإنَّه يَحْتَاجُ فى مَعْرِفَةِ البُلُوغِ والرُّشْدِ إلى اجْتِهَادٍ، فيُوقَفُ ذلك على حُكْمِ الحاكِمِ، كزَوَالِ الحَجْرِ عن السَّفِيهِ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى أمَرَ بِدَفْعِ أمْوَالِهِمْ إليهم عِنْدَ البُلُوغِ وإينَاسِ الرُّشْدِ، فَاشْتِرَاطُ حُكْمِ الحَاكِمِ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ الدَّفْعَ عند وُجُوبِ ذلك بدُونِ حُكْمِ الحَاكِمِ، وهذا خِلَافُ النَّصِّ، ولأنَّه حَجْرٌ بغير حُكْمِ حَاكِمٍ، فيَزُولُ بغير حُكْمِه، كالحَجْرِ على


(٦) فى أ، ب، م: "وصلاحهم".
(١) سورة النساء ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>