للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنا، أنَّه قد فَعَلَ به مثلَ فِعْلِه، فلم يَزِدْ عليه، كما لو جَرَحَه جُرْحًا، أو قَطَعَ منه طَرَفًا، فاسْتَوْفَى منه الوَلِىُّ مثلَه فلم يَمُتْ به، فإنَّه لا يُكَرِّرُ عليه الجرْحَ، بغيرِ خلافٍ، ويَعْدِلُ إلى ضَرْبِ عُنُقِه، فكذا ههُنا.

فصل: وإن قَتَلَه بما لا يَحِلُّ لِعَيْنِه، مثل أن لَاطَ به فقَتَلَه، أو جَرَّعَه خَمْرًا أو سَحَره، لم يُقْتَلْ بمثلِه اتِّفاقًا، ويُعْدَلُ إلى القَتْلِ بالسَّيْفِ. وحَكَى أصْحابُ الشافعىِّ، في مَن قَتَلَه باللِّوَاطِ وتَجْرِيعِ الخَمْرِ، وَجْهًا آخَرَ، أنَّه يُدْخِلُ في دُبُرِه خَشَبةً يَقْتُلُه بها، ويُجَرِّعُه الماءَ حتى يَمُوتَ. ولَنا، أنَّ هذا مُحَرَّمٌ لِعَيْنِه، فوَجَبَ العُدُولُ عنه إلى القَتْلِ بالسَّيْفِ، كما لو قَتَلَه بالسِّحْرِ. وإن حَرَّقَه، فقال بعضُ أصحابِنا: لا يُحَرَّقُ؛ لأنَّ التَّحْرِيقَ مُحَرَّمٌ (٣٣) لحقِّ اللَّه تعالى؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ" (٣٤). ولأنَّه داخلٌ في عمومِ الخبرِ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. وقال القاضي: الصَّحِيحُ أنَّ فيه روايتَيْنِ، كالتَّغْرِيقِ؛ إحْداهما، يُحَرَّقُ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لما روَى الْبَراءُ بن عازِبٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، ومَنْ غَرَّقَ غَرَّقْناهُ". وحَمَلُوا الحديثَ الأوَّلَ على غيرِ القِصَاصِ في المُحَرَّقِ.

فصل: إذا زاد مُسْتَوْفِى القِصاصِ في النَّفْسِ على حَقِّه، مثل أن يُقْتَلَ وَلِيُّه، فيَقْطَعَ المُقْتَصُّ أطْرَافَه أو بعضَها، نَظَرْنا؛ فإن عَفَا عنه بعدَ قَطْعِ طَرَفِه، فعليه ضَمانُ ما أتْلَفَ بدِيَتِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال مالكٌ، والشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ، وأبو يوسُفَ، ومحمدٌ: لا ضَمانَ عليه، ولكن قد أسَاءَ، ويُعَزّرُ، وسواءٌ عَفَا عن القاتلِ أو قَتَلَه؛ لأنَّه قَطَعَ طَرَفًا من جُمْلةٍ اسْتَحَقَّ إتْلافَها، فلم يَضْمَنْه، كما لو قَطَعَ أُصْبُعًا من يَدٍ يَسْتَحِقُّ قَطْعَها. ولَنا، أنَّه قَطَعَ طَرَفًا له قِيمةٌ حالَ القَطْعِ بغيرِ حَقٍّ، فوَجَبَ عليه ضَمانُه، كما لو


(٣٣) في م: "محرق" تحريف.
(٣٤) أخرجه أبو داود، في: باب في كراهة حرق العدو بالنار، من كتاب الجهاد، وفى: باب في قتل الذَّر، من كتاب الأدب. سنن أبي داود ٢/ ٥٠، ٥١، ٦٥٦. والدارمى، في: باب في النهى عن التعذيب بعذاب اللَّه، من كتاب السير. سنن الدارمي ٢/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>