للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمُنِها، لم يَصِحَّ. واحْتَجَّ بقولِ شُرَيْحٍ: أيُّما امْرَأَةٍ صُولِحَتْ من ثُمُنِها، لم يَتَبَيَّنْ لها ما تَرَكَ زَوْجُها، فهى الرِّيبَةُ كلُّها. قال: وإن وَرِثَ قَوْمٌ مَالًا ودُورًا وغيرَ ذلك، فقالوا لبعضِهم: نُخْرِجُكَ من المِيرَاثِ بأَلْف دِرْهَمٍ. أكْرَهُ (٤٣) ذلك، ولا يُشْتَرَى منها شىءٌ، وهى لا تَعْلَمُ، لعلَّها تَظُنُّ أنه قَلِيلٌ، وهو يَعْلَمُ أنَّه كَثِيرٌ، ولا يَشْتَرِى حتى تَعْرِفَهُ وتَعْلَمَ ما هو، وإنما يُصَالِحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ على الشىءِ لا يَعْرِفُه، ولا يَدْرِى ما هو حِسَابُ بينهِما، فَيُصَالِحُه، أو يكونُ رَجُلٌ يَعْلَمُ مَالَهُ على رَجُلٍ، والآخَرُ لا يَعْلَمُهُ فيُصَالِحُه، فأمَّا إذا عَلِمَ فلم يُصَالِحُه؟ إنَّما يُرِيدُ أن (٤٤) يَهْضِمَ حَقَّه [ويَذْهَبَ به] (٤٥). وذلك لأنَّ الصُّلْحَ إنَّما جَازَ مع الجَهَالَةِ، لِلْحَاجَةِ إليه لإِبْرَاءِ الذِّمَمِ، وإِزَالَةِ الخِصَامِ (٤٦)، فمع إمْكَانِ العِلْمِ لا حَاجَةَ إلى الصُّلْحِ مع الجَهَالَةِ، فلم يَصِحَّ كالبَيْعِ.

فصل: ويَصِحُّ الصُّلْحُ عن كلِّ ما يجُوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه سواءٌ كان ممَّا يجوزُ بَيْعُه أو لا يجوزُ، فيَصِحُّ عن دَمِ العَمْدِ، وسُكْنَى الدَّارِ، وعَيْبِ المَبِيعِ. ومتى صَالَحَ عمَّا يُوجِبُ القِصَاصَ بأَكْثَرَ من دِيَتِه أو أَقَلَّ، جَازَ. وقد رُوِىَ أنَّ الحسنَ والحسينَ (٤٧) وسَعِيدَ ابنَ الْعاصِ بَذَلُوا للذى وَجَبَ له القِصَاصُ على هُدْبَةَ بن خَشْرَمٍ (٤٨) سَبْعَ دِيَاتٍ، فأبَى أن يَقْبَلَها. ولأنَّ المالَ غيرُ مُتَعَيَّنٍ، فلا يَقَعُ العِوَضُ فى مُقَابَلَتِه. فأمَّا إن صَالَحَ عن قَتْلِ الخَطَأِ بأكْثَرَ من دِيَتِه من جِنْسِها، لم يَجُزْ. وكذلك لو أَتْلَفَ عَبْدًا أو شيئًا غيرَه، فصَالَحَ عنه بأَكْثَرَ من قِيمَتِه من جِنْسِهَا، لم يَجُزْ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ؛ لأنَّه يَأْخُذُ عِوَضًا عن المُتْلَفِ، فجَازَ أن يَأْخُذَ أكْثَرَ من قِيمَتِه، كما لو بَاعَهُ بذلك.


(٤٣) أى قال: أكره ذلك.
(٤٤) سقط من: الأصل، ب.
(٤٥) سقط من: ب.
(٤٦) فى ب: "الخصائم".
(٤٧) سقطت الواو من: م.
(٤٨) هدبة بن خشرم بن كرز، من بادية الحجاز، شاعر فصيح مرتجل، وكان راوية الحطيئة، قتل رجلا من بنى رقاش، فى خبر طويل، قتل نحو سنة خمسين للهجرة. انظر الأعلام ٩/ ٦٩، ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>