للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُجُوعًا؛ لأنَّه عَلَّقَ به حَقًّا يَجُوزُ بَيْعُه، فكان أعْظَمَ من عَرْضِه على البَيْعِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه ليس برُجُوعٍ. وهو وَجْهٌ لأصْحابِ الشافِعِيِّ؛ لأنَّه لا يُزِيلُ المِلْكَ، فأشْبَه إجَارَتَه، وكذلك الحُكْمُ في الكِتَابةِ.

فصل: وإن وَصَّى بِحَبٍّ ثم طَحَنَه، أو بِدَقِيقٍ فعَجَنَه، أو بِعَجِينٍ فخَبَزَه، أو بِخُبْزٍ فَفَتَّه، أو جَعَلَه فَتِيتًا. كان رُجُوعًا؛ لأنَّه أزَالَ اسْمَه وعَرَّضَه للاسْتِعْمالِ، فدَلَّ على رُجُوعِه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وإن وَصَّى بِكَتّانٍ أو قُطْنٍ فغَزَلَهُ، أو بِغَزْلٍ فنَسَجَه، أو بِثَوْبٍ فقَطَعَه، أو بنُقْرَةٍ فضَرَبَها، أو شاةٍ فَذَبَحَها، كان رُجُوعًا. وبهذا قال أصحابُ الرَّأْىِ، والشافِعِىُّ في ظاهِرِ مَذْهَبِه. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه ليس برُجُوعٍ. وهو قولُ أبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه لا يُزِيلُ الاسْمَ. ولَنا، أنَّه عَرَّضَه للاسْتِعْمالِ، فكان رُجُوعًا، كالتى قبلها. ولا يَصِحُّ قولُه: إنّه لا يُزِيلُ الاسْمَ. فإنَّ الثَّوْبَ لا يُسَمَّى غَزْلًا، والغَزْلَ لا يُسَمَّى كَتَّانًا.

فصل: وإن وَصَّى بشيءٍ مُعَيَّنٍ، ثم خَلَطَه بغيرِه على وَجْهٍ لا يَتَمَيَّزُ منه، كان رُجُوعًا؛ لأنَّه يَتَعَذَّرُ بذلك تَسْلِيمُه، فيَدُلُّ على رُجُوعِه. فإن خَلَطَه بما يَتَمَيَّزُ منه، لم يكُنْ رُجُوعًا؛ لأنَّه يُمْكِنُ تَسْلِيمُه. وإن وَصَّى بقَفِيزِ قَمْحٍ من صُبْرَةٍ، ثم خَلَطَها بغيرِها، لم يكُنْ رُجُوعًا، سواءٌ خَلَطَها بمِثْلِها، أو بِخَيْرٍ منها، أو دُونَها؛ لأنَّه كان مُشَاعًا وبَقِىَ مُشَاعًا. وقيل: إن خَلَطَه بخَيْرٍ منه، كان رُجُوعًا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه تَسْلِيمُ المُوصَى به (٣) إلَّا بتَسْلِيمِ خَيْرٍ منه، ولا يَجِبُ على الوارِثِ تَسْلِيمُ خَيْرٍ منه، فصارَ مُتَعَذِّرَ التَّسْلِيمِ، بخِلَافِ ما إذا خَلَطَه بمِثْلِه أو دُونَه.

فصل: وإذا حَدَثَ بالمُوصَى به ما يُزِيلُ اسْمَه، من غيرِ فِعْلِ المُوصِى، مثل أن سَقَطَ الحَبُّ في الأرْضِ فصارَ زَرْعًا، أو انْهَدَمَتِ الدّارُ فصارَتْ فَضَاءً، في حَياةِ المُوصِى، بَطَلَتِ الوَصِيّةُ بها؛ لأنَّ الباقِىَ لا يَتَنَاوَلُه الاسْمُ. وإن كان انْهِدَامُ الدَّارِ


(٣) في الأصل: "منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>