للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٩٥ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا طَلَّقَها وَاحِدَةً، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَها ثَانِيَةً، بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ العِدَّةِ)

وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، وهو قَولُ الشَّافِعِىِّ، وله قَوْلٌ ثانٍ، أنَّها تَسْتَأْنِفُ العِدَّةَ؛ لأنَّها طَلْقَةٌ وَاقِعَةٌ فى حَقِّ مَدْخُولٍ بها، فاقْتَضَتْ عِدَّةً كَامِلَةً، كالأُولَى. ولَنا، أنَّهما طَلاقانِ (١) لم يَتَخَلَّلْهُمَا إِصابَةٌ، ولا خَلْوَةٌ، فلم يَجِبْ بهما أكْثَرُ مِنْ عِدَّةٍ، كما لو وَالَى بينهما، أو كما لو انْقَضَتْ عِدَّتُها ثم نَكَحَها وطَلَّقَها قَبْلَ دُخُولِه بها. وهكذا الحُكْمُ لو طَلَّقَهَا، ثم فُسِخَ نِكاحُها لِعَيْبٍ فى أَحَدِهما، أو لِعِتْقِها تحْتَ عبْدٍ أو غيرِه، أو انْفَسَخَ نِكاحُها لِرَضَاعٍ أو اخْتِلافِ دِينٍ أو غيرِ ذلك؛ لأنَّ الفَسْخَ فى مَعنَى الطَّلاقِ.

فصل: وإِنْ طَلَّقَهَا، ثم رَاجَعَهَا، ثم طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِه بها، ففيه (٢) رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهما، تَبْنِى على ما مَضَى مِن الْعِدَّةِ. نَقَلَها الْمَيْمُونِىُّ. وهى اخْتِيارُ أبى بكرٍ، وقَوْلُ عَطاءٍ، وأحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعىِّ؛ لِأَنَّهما طَلاقانِ لم يَتَخَلَّلْهما دُخُولٌ بها، فكانت العِدَّةُ مِن الأوَّلِ منهما، كما لو لم يَرْتَجِعْها، ولأنَّ الرَّجْعَةَ لم يتَّصِلْ بها دُخُولٌ، فلم يَجِبْ بِالطَّلاقِ منها عِدَّةٌ، كما لو نَكَحَها ثم طَلَّقَها قَبْلَ الدُّخُولِ. والثَّانِيَةُ، تَسْتَأْنِفُ العِدَّةَ. نَقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ. وَهى أَصَحُّ. وهذا قَوْلُ طَاوُسٍ، وأبى قِلابَة، وَعمرِو بنِ دِينَارٍ، وجابِرٍ، وسعيدِ ابنِ عبدِ العزيزِ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وأبى عُبَيْدٍ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ، وابْنِ المُنْذِرِ. وقال الثَّوْرِىُّ: أجمَعَ الفُقَهَاءُ على هذا. وحَكَى أَبو الخَطَّابِ، عن مالِكٍ، إنْ قَصَدَ الإِضْرَارَ بها بَنَتْ، وإِلَّا اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالى إِنَّما جَعَلَ الرَّجْعَةَ لمنْ (٣) أرادَ الإِصْلاحَ بِقَوْلِه تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (٤)


(١) فى ب زيادة: "فإن".
(٢) فى ب: "ففيها".
(٣) فى م: "من".
(٤) سورة البقرة ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>