للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَقُّ؛ لأنَّ الالْتِقاطَ هو الأخْذُ لا الرُّؤْيةُ. ولو قال أحدُهما (٢٢) لِصَاحِبِه: نَاوِلْنِيه. فأخَذَه الآخَرُ، نَظَرْنا [إلى نِيَّتِه] (٢٣)، فإن نَوَى أخْذَه لِنَفْسِه فهو أحَقُّ، كما لو لم يَأْمُرْه الآخَرُ بمُنَاوَلَتِه إيَّاه، وإن نَوَى مُنَاوَلَتَه فهو للآمِرِ؛ لأنَّه فَعَلَ ذلك بِنِيَّةِ النِّيابةِ عنه، فأشْبَهَ ما لو تَوَكَّلَ له في تَحْصِيلِ مُبَاحٍ.

فصل: فإن اخْتَلَفَا، فقال كلُّ واحدٍ منهما: أنا الْتَقَطْتُه. ولا بَيِّنَةَ لأحَدِهِما، وكان في يَدِ أحَدِهِما، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه أنَّه الْتَقَطَه. ذَكَرَ ذلك أبو الخَطَّابِ. وهذا قولُ الشافِعِيِّ. وقال القاضي: قِياسُ المذهبِ أنَّه لا يَحْلِفُ، كما في الطَّلَاقِ والنِّكَاحِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وأمْوَالَهُم؛ ولكِنَّ اليَمِينَ على المُدَّعَى عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٤). فإن كان في أيْدِيهِما أُقْرِعَ بينهما، فمن قَرَعَ صاحِبَه، حَلَفَ وسُلِّمَ إليه. وعلى قولِ القاضِى: لا تُشْرَعُ اليَمِينُ ههُنا، ويُسَلَّمُ إليه بمُجَرَّدِ وُقُوعِ القُرْعَةِ له. وإن لم يكُنْ في يَدِ واحدٍ منهما، فقال القاضي، وأبو الخَطّابِ: يُسَلِّمُه الحاكِمُ إلى مَنْ يَرَى منهما أو مِن غيرِهما؛ لأنَّه حَقٌّ لهما. والأَوْلَى أن يُقْرِعَ بينهما، كما لو كان في أيْدِيهِما؛ لأنَّهما تَنَازَعا حَقًّا في يَدِ غيرِهما، فأشْبَهَ ما لو تَنَازَعا وَدِيعَةً عندَ غيرِهما. فإن وَصَفَه أحَدُهُما، مثل أن يقولَ: في ظَهْرِه شامَةٌ، أو بِجَسَدِه عَلَامةٌ. وذَكَرَ شَيْئًا في جَسَدِه مَسْتُورًا، فقال أبو الخَطَّابِ: يُقَدَّمُ بالصِّفَةِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وقال الشافِعِيُّ: لا يُقَدَّمُ بالصِّفَةِ، كما لو وَصَفَ المُدَّعِى، فإنَّه لا تُقَدَّمُ به (٢٥) دَعْوَاه. ولَنا، أنَّ هذا نَوْعٌ من اللُّقَطَةِ، فقُدِّمَ بِوَصْفِها، كلُقَطَةِ المالِ، ولأنَّ ذلك يَدُلُّ على قُوّةِ يَدِه، فكان مُقَدَّمًا بها. وقِياسُ اللَّقِيطِ


(٢٢) سقط من: م.
(٢٣) في م: "لنيته".
(٢٤) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٢٥.
(٢٥) في م: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>