للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، كغَيْرِهِ؛ لأنَّ (١٣) الرُّخْصَةَ العَامَّةَ تَعمُّ ما وُجِدَتْ فيه المَشَقَّةُ وغيرَه، كالقَصْرِ والجَمْعِ. وإنْ عَجَزَ عن ذلك سَقَطَ بغَيْرِ خِلافٍ. وإنْ كانَ يَعْجِزُ عن اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ في ابْتِدَاءِ صلاتِه، كرَاكِبِ راحِلَةٍ لا تُطِيعُه، أو كان في قِطَارٍ (١٤)، فليس عليه اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ في شيءٍ مِن الصلاةِ. وإنْ أمْكَنَهُ افْتِتاحُها إلى القِبْلَة، كراكِبِ راحِلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ تُطِيعُهُ، فهل يَلْزَمه افْتِتَاحُها إلى القِبْلَةِ؟ يُخَرَّجُ فيه روَايَتانِ؛ إحْدَاهُما، يَلْزَمُه، لما رَوَى، أنَسٌ، أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا سافَرَ، فأرَادَ أنْ يَتَطوَّعَ، اسْتَقْبَلَ بناقَتِه القِبْلَةَ، فكَبَّرَ، ثم صَلَّى حيثُ كان وِجْهَةُ (١٥) رِكَابِهِ. رواهُ الإِمامُ أحمدُ، في "مُسْنَدِه"، وأبو داوُد (١٦). ولِأنَّه أمْكَنَهُ [ابْتِدَاءُ الصلاةِ إلى القِبْلةِ] (١٧) فلَزِمَهُ ذلك، كالصلاةِ كُلِّها. والثَّانِيةُ، لا يلْزَمُهُ؛ لأنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أجزاءِ الصلاةِ، أشْبَهَ سَائِرَ أجْزائِها، ولأنَّ ذلك لا يَخْلُو مِنْ مَشَقَّةٍ، فَسَقَطَ، وخَبَرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحْمَلُ على الفَضِيلَةِ والنَّدْبِ.

فصل: وقِبْلَةُ هذا المُصَلِّى حيثُ كانت وجْهَتُه، فإنْ عَدَلَ عنها نَظَرْتَ، فإنْ كان عُدُولُهُ إلى جِهَةِ الكَعْبَةِ، جازَ؛ لأنَّها الأصْلُ، وإنَّما جازَ ترْكُهَا لِلْعُذْرِ، فإذا عَدَلَ إليها أتى بالأصلِ، كما لو رَكَعَ وسَجَدَ (١٨) في مكانِ الإِيماءِ. وإنْ عَدَلَ إلى غيرِها عمدًا، فسَدَتْ صلاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا. وإنْ فَعَلَ ذلك مَغْلُوبًا، أو نَائمًا، أو ظَنًّا منه أنَّهَا جِهَةُ سَفَرِه، فهو على صلاتِهِ، ويَرْجِعُ إلى جهَةِ سَفَرِهِ عند زَوَالِ عُذْرِهِ. لأنه مَغْلُوبٌ على ذلك. فأَشْبَهَ العاجِزَ عن الاسْتِقْبَالِ. فإنْ تَمَادَى بهِ ذلك بعد زوَالِ عُذْرِهِ، فَسَدَتْ صلاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ الاسْتِقْبَالَ عَمْدًا. ولا فَرْقَ بينَ جَمِيعِ التَّطَوُّعاتِ في هذا، فَيَسْتَوِى فيهِ النَّوَافِلُ المُطْلَقَةُ، والسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ،


(١٣) في الأصل: "ولأن".
(١٤) القطار من الإبل: عدد على نسق واحد.
(١٥) سقط من: الأصل.
(١٦) تقدم في صفحة ٩٣.
(١٧) في م: "استقبال القبلة في ابتداء الصلاة".
(١٨) في م: "فسجد".

<<  <  ج: ص:  >  >>