للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولو أجَرَ مُسْلِمٌ نَفْسَه لذِمِّىٍّ، لعَمَلٍ فى ذِمَّتِه، صَحَّ؛ لأنَّ عَلِيًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، أجَرَ نَفْسَه مِن يَهُودِىٍّ، يَسْتَقِى له (٣٣) كُلَّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، وأتَى بذلك النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكَلَهُ (٣٤). وفَعَلَ ذلك رَجُلٌ مِن الأنصارِ، وأتَى به النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم يُنْكِرْه (٣٥). ولأنَّه لا صَغارَ عليه فى ذلك. وإنِ اسْتَأْجَرَه فى مُدَّةٍ، كيَوْمٍ، أو شَهْرٍ، ففيه وجهانِ، أحدُهما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ فيه اسْتِيلاءً عليه، وصَغارًا، أشْبَهَ الشِّراءَ. والثّانى، يَصِحُّ. وهو أوْلَى لأنَّ ذلك عَمَلٌ فى مُقابَلَةِ عِوَضٍ، أشْبَهَ العَمَلَ فى ذِمَّتِه، ولا يُشْبِهُ المِلْكَ؛ لأنَّ المِلْكَ يَقْتَضِى سُلْطانًا، واسْتِدامَةً، وتَصَرُّفًا بأنواعِ التَّصَرُّفاتِ فى رَقَبَتِه، بخِلافِ الإجارَةِ.

فصل: ولا يجوزُ أنْ يُفَرِّقَ فى البَيْعِ بينَ كُلِّ ذِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال مالِكٌ: لا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إلّا بينَ الأُمِّ وَوَلَدِهَا، لأنَّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ (٣٦) وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ أحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رواه التِّرْمِذِىُّ (٣٧)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقال: "لَا تُوَلَّهُ (٣٨) وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا" (٣٩). فخَصَّها بذلكَ، فدَلَّ على الإباحَةِ فيما سواه. وقال الشّافِعِىُّ: يَحْرُمُ بينَ الوالِدِينَ والمَوْلُودِينَ وإنْ سَفَلُوا، ولا يَحْرُمُ بينَ مَن عَداهم؛ لأنَّ القَرابَةَ التى بينَهم لا تَمْنَعُ القِصاصَ، ولا شهَادَةَ بَعضِهم لبعضٍ، فلم تَمْنَعِ التَّفْرِيقَ فى


(٣٣) سقط من الأصل.
(٣٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٠٨.
(٣٥) أخرجه ابن ماجه، فى: باب الرجل يستقى كل دلو بتمرة. . .، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١٨، ٨١٩.
(٣٦) فى م: "الوالدة".
(٣٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٣٢.
(٣٨) أى لا يُفَرَّق بينهما فى البيع. وكل أنثى فارقت ولدَها فهى وَالِهٌ. النهاية فى غريب الحديث والأثر ٥/ ٢٢٧.
(٣٩) عزاه إلى البيهقى فى كنز العمال ٥/ ٥٧٦، ٥٧٧، ٩/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>